للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من رحلة الشتاء]

في مضارب شمر

البادية

للآنسة زينب الحكيم

إن للبادية طابعاً خاصاً، فهي في النهار غيرها في الليل، وهي في شقشقة الفجر غيرها في غلس المساء. في الصباح الباكر تبدو الطبيعة هواؤها وماؤها، نباتها وطيورها، حيوانها وإنسانها متمالكاً قواه، على أتم استعداد للنشاط والإنتاج، يبدو الزهد على كل شيء والتضحية بكل شيء، ويظهر محيط موحد بضم هذه العناصر جميعها.

يبقى هذا المنظر لحظات سريعة المرور خطيرة الأثر. وتبكر لشمس فتمتد خيوطها الجميلة فتحيي الزهر، وتنعش العشب، وتنشط الهواء، وتداعب الندى.

وتسرع القطعان ورعاتها للسعي والتنقيب، فينكسر سكون الصباح، وتسمع هنا مواء، وهنا نباحاً، وهناك صياحاً وغناء.

ويدور الأحياء دورتهم، في شؤون الحياة العملية الصرفة، صابرين على هجير البادية وقارس بردها، وعلى جدبها وخصبها، راضين بسكونها وثورتها.

هاهو ذا المساء يتقدم، وذكاء على وشك الغروب وراء الأفق، وكذلك تسرع القطعان ورعاتها إلى حظائرها، ويدور الفلك دورته العكسية الأبدية. يا لله من أضداد الطبيعة، وهي هي بعناصرها ومحتوياتها، سكون شامل رهيب، يتلاشى فيه ثغاء الأغنام وهدير الإبل، ويرتفع فيه نباح الكلاب - ترهف فيه الأسماع وكل الحواس. قبة زرقاء صافية في الصباح الباكر، يزينها الضوء الهادئ البديع، والضباب الخفيف والنسيم العليل؛ وقبة زرقاء، قاتمة في المساء، تتلألأ فيها نجوم زاهرة، وتتماوج نسائم بليلة حائرة، وتشمل الكون بمن فيه رهبة قاهرة.

ليلة؟؟

أذهب مسرعة إلى الخيمة التي أعدت لنومي وسط هذه الطبيعة الغريبة، والبادية البعيدة، فيدخل معي الشيخ ليدلني على نظمهم، ومعه خادمان، يحمل أحدهما مصباحاً، والثاني طستاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>