للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صحة جيدة، حتى إذا بدأ يغذيها بالمواد العضوية الرئيسية التي يتركب منها اللبن أي الكازبين وهو زلال اللبن ثم الزبد وهو مادته الدهنية ثم اللكتوز وهو سكر اللبن وأضاف إليها المواد المعدنية التي يحتوي عليها اللبن - رأى لونين هذا الغذاء لا يلبث أن يورث الفيران انحرافاً فتضطرب صحتها وتموت، والنتيجة المنطقية من هذه التجربة أن اللبن يحتوي على مواد لازمة للحياة غير المواد المعروفة إلى ذلك الوقت.

وهاهو ذا (هبكنز) الكيميائي الإنكليزي الكبير يقوم حوالي ١٩٠٦ بتجربة مشابهة فيعمد إلى فيران يطعمها غذاء مكونا من المواد الآتية: زلال اللبن والسكر والنشا وشيء من دهن الخنزير وبعض المواد المعدنية، فلا تلبث هذه الفيران أن يقف نموها وتهزل، حتى إذا أضاف إلى غذائها ثلاثة سنتيمترات مكعبة من اللبن يومياً أي ما يساوي نصف ملعقة صغيرة تقريباً، فإنها تبل مما أصابها وتتقدم صحتها. ولكن هذا المقدار من اللبن لا يمكن أن يعتبر غذاء في ذاته لقلته؛ إذن النتيجة المنطقية من هذه التجربة أن الأغذية الطبيعية تحتوي زيادة على المواد الأربعة الرئيسية المعروفة (الزلاليات والدهنيات والنشويات والمعدنيات) على مقادير صغيرة من مادة طبيعية أخرى لازمة للحياة تقوم بوظيفة (العامل المساعد) في التغذية كما يقول هبكنز، أي كما يحدث في التفاعلات الكيميائية العادية كأن يضاف قليل من ثاني أكسيد المنجنيز إلى كلورات البوتاس حتى يساعدها على التفاعل واستخلاص الأكسجين الذي تحتوي عليه.

والآن يمكننا أن نتبين كيف نشأت فكرة الفيتامين على أثر ملاحظات الأطباء وتجارب علماء وظائف الأعضاء التي لم يكن بينها علاقة في بادئ الأمر. لاحظ طبيب هولندي كان يعمل في مستشفى الحكومة في جاوة حيث كان ينتشر مرض البري بري بين الأهالي، أن الفراخ الموجودة في فناء المستشفى والتي كانت تتغذى بالأرز المقشور - وهو الغذاء الرئيسي للأهالي - كان يبدو عليها أعراض مرض يشبه مرض البري بري. فما لبث أن نشأت لديه فكرة وجود علاقة بين الغذاء المكون من الأرز المقشور وبين ظهور أعراض هذا المرض، ومن ثم بادر بإعطاء هذه الفراخ (ردة) فشفيت مما أصابها. على أثر هذه التجربة عمد كيميائي بولوني يدعى فونك حوالي سنة ١٩١٢ إلى قشر الأرز يستخلص منه (العنصر) الفعال في شفاء البري بري، فنجح في استخلاص مادة فعالة، ولو أعطيت

<<  <  ج:
ص:  >  >>