للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يستطيع ومن هنا نقاسي ألم الحرمان ونسخط على حياة وجدنا فيها نهمين نريد أن نشبع وتريد الأقدار أن نجوع!! ولكنا نميل مع ذلك إلى اتهام أنفسنا فنتحلى ونتخلق بالصبر والقناعة والرضى إلى أن تنحط علينا كارثة هائلة، فنفتح أعيننا من جديد لنرى آمالنا المتلاشية، ولنصرخ من أعماق قلوبنا المجروحة، وعقولنا المتزلزلة، ولنتساءل في لوعة وأنين: (ترى لِمَ نحن هنا على ظهر الأرض؟)

وليس لمآسي الحياة وحدها الإصبع الأكبر في ذلك السؤال، فإن لسعادتها أيضاً إصبعاً بل أصابع كثيرة. ذلك أنا نسعد في المبدأ عندما نحقق رغبة من رغباتنا، ولكن إذا ظلت سعادتنا وقتاً طويلاً - وقلما يحدث هذا - فسرعان ما تخبو نارها، وتنمحي روعتها، فيقل شعورنا بها شيئاً فشيئاً، وينقلب على مر الأيام إلى كره فثورة وسخط لأنا لا نجدها حينذاك كافية لمطامعنا ومحققة لجميع آمالنا، من ثَمَّ نرى الحياة عاجزة عن إشباع رغبة السعادة فينا، فنشعر بأن نشعر مسراتنا أوهام، ورغباتنا فخاخ نحن أول من يقع فيها. ولا نستطيع أن نتهم أنفسنا هنا كأن نتهمها أمام المآسي لأن السعادة بين أيدينا؟!

ثم نحن نبدو في المدن كأعظم المخلوقات فنمتلئ شجاعة وثقة وغروراً، ولكن عندما نخرج إلى الطبيعة المكشوفة، ونجد أنفسنا وحيدين أمام سماء لا نهاية، وأفق تتلوه آفاق، وجبال شامخة هائلة، ونجوم عديدة لا تحصى، وقرى تخفى في غابات، وغابات تختفي في فضاء الطبيعة، بل وعندما نرى أن هذه الدنيا تسبح في عوالم الكون مع عوالم أخرى كثيرة ونحن حيالها لا شيء، ألا ننسى حينذاك سعادتنا وشقاءنا، ونروح متسائلين: (أين نحن من العالم وما دورنا فيه؟)

وحينما ننظر في تاريخ البشرية، ونعرف أنها جاءت عارية أو شبه عارية، ثم قامت منها شعوب، وقام بين هذه الشعوب نزاع فساد الفرس أولاً ثم الإغريق، ثم الرومان، ثم البرابرة؛ بل وحينما نذهب إلى الأصقاع المجهولة في شمال آسيا وأواسط أفريقيا وأمريكا، وجزر المحيط، لنجد فيها قوماً يختلفون في اللغة والفكر ولا يعرفون مثلنا لماذا خلقوا ولا من أين أتوا؛ عندما ننظر في ذلك التاريخ البشري بليله البهيم، وفي الأجناس كفاحها وصراعها، ألا نشعر بغموض هائل يكتنفنا من كل ناحية؟ أما هذه الإنسانية التي نحن جزء منها؟ من أين أتت؟ وأيان تذهب؟ أترى هي كأعشاب الأرض وأشجار الغابات تخرج من

<<  <  ج:
ص:  >  >>