للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عنفاً وقسوة؛ وكانت وسائلها أشد إثارة وإغراقاً، ولا ريب أن سحق الوطنية الاشتراكية للشيوعية كانت عملاً جليلاً، بل لعله أجل خدمة أدتها إلى ألمانيا وإلى الدول الغربية كلها، ذلك أن البلشفية (الشيوعية) خطر اجتماعي على النظام والمدنية كلها، وكانت قد تقدمت في ألمانيا إلى حدود مروعة، وكانت تحمل أكبر تبعة فيما أصاب ألمانيا من الاضطراب والخراب والفوضى، وكانت ألمانيا ومازالت حاجز البلشفية من الشرق، بيد أن الوطنية الاشتراكية كانت متطرفة مغرقة في مطاردة الديموقراطية، وكانت تقصد بسحقها إلى غايات حزبية لا إلى غايات قومية، بل لم يقف الحزب الوطني الاشتراكي عند سحق كتلة اليسار، ولم يطق أن يرى إلى جانبه أي حزب آخر في ألمانيا مهما حمدت مبادئه ووسائله، فمال على الحزب الوطني الألماني، وحزب الوسط الكاثوليكي؛ وهما الحزبان اللذان حالفاه وعاوناه على استخلاص الحكم والسلطة المطلقة؛ وانتهى بحلهما وإدماج أنقاضهما فيه، وبذلك اختفت كل الأحزاب البرلمانية السابقة من ميدان السياسة الألمانية، واستطاع هر هتلر أن يفرض الوطنية الاشتراكية على ألمانيا كلها.

ولما كانت الوطنية الاشتراكية حركة طغيان مطلق، وقد بدأت بتعطيل الحياة الدستورية، فقد كان طبيعياً أن تعمل على إخماد جميع الحريات الدستورية حتى لا تقف عثرة في سبيلها. ولم تكتف في ذلك بمطاردة خصومها السياسيين إلقائهم في ثكنات الاعتقال آلافاً مؤلفة دون أية تهمة، وإصدار القوانين الاستثنائية المختلفة بل عمدت إلى الصحافة مظهر الرأي الحر فسحقتها وأخضعتها لرأيها ووحيها، وجعلتها تابعة لوزارة الدعاية التي أنشأتها؛ وعطلت كل صحيفة مخالفة في الرأي، وجعلت مهنة الصحافة نوعاً من المهن الرسمية. وكما أنه لا يستطيع اليوم إنسان في ألمانيا أن يرفع بالاعتراض على شيء من أعمال الحكومة، فكذلك لا توجد صحيفة ألمانية واحدة تستطيع أن تقول رأياً غير رأي الحكومة، ووزارة الدعاية (ووزيرها الدكتور جبلز) هي التي ترسم للصحافة كلها خططها وتلقي إليها أوامرها ووحيها. والشعب الألماني لا يعرف من سير الحوادث والشئون في ألمانيا إلا ما تذيعه صحافته الرسمية. ولم تفعل الوطنية الاشتراكية الألمانية في ذلك سوى أن حذت حذو البلاشفة في روسيا والكماليين في تركيا والفاشست في إيطاليا. ومن الطبيعي أنه حيثما قام الطغيان المطلق تنعدم كل ألوان الحرية الفردية. وهذا ما وقع في ألمانيا. ويفسر لنا أنصار

<<  <  ج:
ص:  >  >>