للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصفت. وإذا صح أن بعضهم كان كما قال، فأكثرهم لم يكن كذلك أي لم يقرأ الشعر الأوربي اتفاقاً ولم ينصره لأنه يؤيد مبادئه الرجعية، ولكنهم كانوا ممن درسوا الأدبين، وأوحى إليهم الأدب الأوربي مبادئهم التي دعوا إليها خصوصاً ما سماه: (الرجوع إلى طريقة المتقدمين في إظهار كل شاعر خصائص نفسه وفكره، وأن يباح له القول أكثر مما كان يباح للمتأخرين). ولست أدري ماذا كان محرماً على المتأخرين، وأردا أصحاب الجديد في أول الأمر أن يباح لهم، وإنما الذي أدريه أن مبدأهم ذلك قد خرج بهم عن الحد، وأدى إلى هذا الأدب الفاجر الذي يستطيع الأستاذ أن يضع يده فيه على ما شاء، والذي يعتذر عنه بأن هناك أفجر منه في القديم

إن في القديم أفجر منه من غير شك وأكثر منه أضعافاً كثيرة؛ لكن التفاوت في فحش القول، أظن الفضل فيه يرجع إلى القانون، والكثرة راجعة من غير شك إلى تراكم القرون وتعدد الأمم وكثرة الناس وعظم نسبة قائلي الشعر فيهم ممن يحسنه ومن لا يحسنه. فليت شعري إذا حسب أثر ذلك كله ماذا تكون النتيجة وماذا يبقى من دفاع الأستاذ؟ إنها نقطة طريفة، لكن مهما تكن نتيجتها فإنها لا قيمة لها في الموضوع. فالقديم الذي ندافع عنه والذي إليه قصدنا من قبل ليس هو القديم الزمني الذي ذهب إليه الأستاذ. ليس هو قديم المسلمين برهم وفاجرهم كما توهم الأستاذ خطأ، ولكنه قديم الإسلام بالمعنى الذي فصلناه. وإذن فنقده الذي وجهه إلينا وبناه على المعنى الزمني للجدة القدم نقد ذاهب لا يتوجه إلينا منه شيء

إن التفريق بين المذاهب والأعمال بحدوثها وقدمها كما يفعل كثيرون هو غير معقول، إنه تفريق تافه لأنه مبني على شيء عارض هو الزمن يأتي ويمر من غير أن تكون له صله بحقائق الأمور. إن قديم اليوم بمعناه الزمني هو جديد أمس قد مضى، وجديد اليوم هو قديم غد سيكون. فالجدة والقدم شيء عارض متغير لا وزن له في قياس قيم الأشياء اللهم إلا المادي منها، وليس في كلها يطرد معناه. أما الأمور المعنوية التي تتصل بحياة الإنسان الروحية وصميم إنسانيته فلا بد لقياسها والمفاضلة بينها من معيار آخر ثابت على الزمان هو معيار الحق والصدق والخير. وقد أنزل الله الدين ليهدي الإنسان إلى ما لا يستطيع الاهتداء إليه من هذا ما دامت حياته ونجاته وإنسانيته متوقفة عليه. من أجل ذلك تركنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>