للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإلياذة ومن الأوديسة ومن غير الإلياذة والأوديسة، وكان هيرودوتس خبيراً بأدب بلاده وبتاريخ هذا الأدب، وكان يعرف أن الإلياذة والأوديسة لم تكونا معروفتين بحالهما الذي تواتره الناس عن هوميروس، قبل هوميروس. . . حقاً لقد كانت الأساطير التي حشدها هوميروس في ملحمتيه معروفة قبله بأجيال، لكنه كان أول من نظمهما في هذا العقد الجميل الرائع الذي قبس منه إسخيلوس وسوفوكلس، والذي حام حوله يوربيدز، والذي ظل مورداً لجميع شعراء الكلاسيك من غير استثناء

لقد كتب هيرودوتس تاريخه في زمن استقرار الحضارة اليونانية ونضوجها. . . ونحن نلمح في تاريخه روح النقد والتمحيص، والبحث والتحقيق، فهو إذا روى لم يثبت إلا ما يراه متفقاً عليه من الناس، فإذا رآهم يتفقون على شيء لا يطمئن إليه ضميره لم يبال أن يقول بعد إثبات ما اتفقوا عليه: أما رأيي فهو كيت، أو أنا أعتقد كذا. . . ولم يكن يبالي كذلك أن يدلي برأيه في الآلهة، فقد صرح أنه لا يدري من أين نشأوا، وأن شيئاً عن ذواتهم لم يكن معروفاً إلى زمنه. . . وذهب إلى أبعد من هذا فقرر أنهم جميعاً من صنع هوميروس وهسيود اللذين وضعا الإغريق ذلك الثبت الطويل من الآلهة وأنصاف الآلهة ثم راحا يوزعان عليهم ذلك الاختصاص العجيب من مقاليد البر والبحر والأفلاك والهواء والنور والظلمة والحكمة والفنون. . . وقد رفض ما ذهب إليه الشعراء من أن هذا التوزيع وذاك اللاهوت بطقوسه التي تعارفها الناس كانا موجودين قبل هوميروس وهسيود. . . وأكد أهن الميثولوجيا اليونانية كلها لم تعرف إلا بعدهما. . .

إذا كان هيرودوتس قد ولد سمنة ٤٨٤ قبل الميلاد، فليس يبعد أن يكون هوميروس قد ولد سنه ٨٨٤ أو حوالي ذلك. . . أو أنه قد عاش بالفعل في القرنين التاسع والثامن. . . أما ما قيل غير ذلك فلم تقم على إثباته حجة، ولم يؤيده برهان

وتتنازع فخر مولده مدائن شتى. على أن الذي حققه المؤرخون ويؤيده ما جاء في ترتيلة أبولو أنه من مدينة خيوس الواقعة في الشاطئ الشرقي من الجزيرة المسماة باسمها والقريبة من مدينة أزمير، وهو لهذا إيونيوي (من إيونيا) بدليل أن أقدم نسختين من الإلياذة والأوديسة مكتوبتان بلغة إيونيا ويختلف المؤرخون في اسمه وفي معناه، فيذكرون له أسماء معقدة لا داعي لذكرها هنا. . . ثم يفسرون أسمه فيقولون إنه يعني (أعمى) وإلى ذلك ذهب

<<  <  ج:
ص:  >  >>