للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكمال من الحس الدقيق والشعور المرهف، وهو من أول المصريين الذين اعترفوا بأن النفس جماع لمختلف العواطف والمشاعر والوجدانات إلى غير ذلك مما يتصل بالدراسات النفسية الحديثة. ولعله أحد المصلحين القلائل الذين اهتدوا إلى تلك النتائج قبل أن يتعمق الناس في دراسة علم النفس. فهو يعترف بأن الإنسان مجموعة من الأعصاب تتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، وأن القلب الذي يكنّ البغض هو نفسه الذي يكنّ الحب، وأن النفس الشريرة تنمو - إذا نمت - لأنها تصادف جواً صالحاً يؤثر فيها

وقد كان شديداً على البيئة التي نشأ فيها قاسم أمين تؤمن بما جاء به، كان شديداً عليها أن تعنو للنتائج القيمة التي وصل إليها لأنها كانت بيئة نصف متعلمة ونصف متدينة في وقت معاً، أما العلم الذي تشبثت به فقد كان خليطاً من القشور والخطل، وأما وجهتها الدينية فقد كانت ملتوية تمتاز بالنفاق والجدل. لذلك لم يعترف أنصاف المتعلمين بالغرائز التي تندفع في نفس الإنسان، ولم يحاول أنصاف المتعلمين أن يتبصروا فيما انحدر إليهم من أصول القرآن والسنة. ولو أن أولئك وهؤلاء قد اجتمعوا على أن يذوقوا ما ذهبت إليه تلك النفس الحاسة لرأوا رأياً آخر غير الذي بسطوا فيه أقلامهم وألسنتهم عن جهالة

على أن تلك النفس الحساسة التي اعترفت بالخير والشر جميعاً هي النفس التي أعانت صاحبها على أن يستوعب الآثار الدقيقة التي مارسها في حياته. هو قد اعترفت بالغرائز الدنيا وقد اعترفت بالعواطف العليا، وهو قد رأى الشر إلى جانب الخير، فكان في كل ذلك يمثل المعلم المتبصر الرشيد، ولن يكون الزعيم ولا المعلم حتى ولا القاضي أهلاً لما يرجى منه حتى يرى النفس الإنسانية من ناحيتها وحتى يقدر الشر والخير والرذيلة والفضيلة، وحتى يعترف بالشر والرذيلة ويتفحص هذه وذلك ليترسم السبيل السوية نحو الخير والفضيلة وكل ما ينطويان عليه من معان

تلك النظرة الدراسة هي التي أقامت عند قاسم أمين كل المعايير التي حاول أن يطبقها على المجتمع المصري، ولأنه كان يؤمن بأن النفس جماع العواطف والوجدانات فقد قال: (إن الفضيلة والرذيلة يتنازعان السلطة على نفس الإنسان في جميع أدوار حياته. فتارة يخضع للأولى وتارة تتغلب عليه الثانية، ولا يوجد رجل مهما بلغ في التربية والعلم يكون آمناً من السقوط يوماً في الرذيلة، كما لا يوجد رجل مهما أحاطت به الرذيلة إلا وفيه استعداد لأن

<<  <  ج:
ص:  >  >>