للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وشهوات. والحق أن باحثاً يدرك الشر لا بد أن يرى ناحية الخير ناصعة بريئة. وقد داول هو البحث بين الخير والشر فأقام حدوداً جمالية نرى أن مصر لم تأخذ بالكثير منها. فهو قد كان يرى أن أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة: التمثيل والتصوير والموسيقى، وأن هذه الفنون ترمي جميعها على اختلاف موضوعها إلى غاية واحدة هي تربية النفس على حب الجمال والكمال، فإهمالها هو نقص في تهذيب الحواس والشعور وهو يقص عليك القصة التالية لتدرك تقديره للجمال، ولترى في أي بيئة كان عايش: (دخلنا قصر اللوفر، وكنا أربعة من المصريين لنمتع النظر لأبدع ما جادت به قرائح أعاظم الرجال في العالم، فبعد أن تجولنا في غرفتين جلس أحدنا على أحد الكراسي قائلا: أنا اكتفيت بما رأيت وهاأنا منتظركم هنا. وقال الثاني: اتبعكما لأني احب المشي واعتبر هذه الزيارة رياضة لجسمي، وسار معنا شاخصاً أمامه لا يلتفت إلى اليمين ولا إلى اليسار، وما زال كذلك حتى وصلنا قاعة المصاغ والحلي. وحينئذ تنبهت حواسه وصار ينظر إلى الذهب ثم صاح: هذا ألطف ما في الدار. وصلنا إلى تمثال إلهه الجمال الفريدة في العالم أجمع، فسألت دليلنا ماذا تساوي هذه الصورة إذا عرضت للبيع؟ فقال إنها تساوي ثروة أغنى رجل في العالم. تساوي كل ما يملكه الإنسان. تساوي ما يقدر لها حائزها ويطلبه ثمناً لها، إذ لأحد لقيمتها)

وأنت تستطيع أن تقدر المرارة التي تخبث النفس الزكية حين تهتز لقطة من التصوير والنحت؛ تحس بهذه المرارة إذا ابتلاك القدر بأن تسير وشخصاً تجافى نفسه كل نوع من أنواع الجمال، فلا يرى من جمال الشعر إلا البيت المتهتك السخيف، ولا من جمال الموسيقى إلا النغم الصاخب المنفر. ولعلك تحس بالمرارة التي كان يشعر بها قاسم أمين إذ كان يساير رجلاً استغلقت عليه آيات الفن الخالدة غير بعض حلى من الذهب والفضة لأن لها بريقاً يلمع! حقاً إن قاسماً كما أسلفنا القول كان يعيش في جو خاص لا يشاركه فيه إلا القليل

احمد خاكي

<<  <  ج:
ص:  >  >>