للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للإلياذة من ذاك القبيل هو ما حصل لحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما اختلفت الأحزاب وأراد كل منها أن ينصر مذهبه بأثر من كلام الرسول، فكثر التلفيق وشاع الوضع، ثم نشأ بعد ذلك ما نشأ من مدارس الحديث وشمر الأئمة للتجريد والتضعيف وما إلى ذلك. . فمثل هذا حدث في اليونان القديمة

ولقد ساهمت مدرسة الإسكندرية بأوفى نصيب في درس الإلياذة والأوديسة، وفرغ من تلاميذها الأفذاذ لكلتا الملحمتين عدد عظيم استطاعوا عرفان الزائف من غيره، وكان إمام هذه المدرسة المؤرخ الناقد الكبير أرسطرخوس الذي وضع لنقد الأدب الهوميري قواعده الرائعة

ويحددون عصر البطولة الذي وقعت فيه حوادث الإلياذة ثم حوادث الأوديسة بالقرنين الثاني عشر والثالث عشر، وذلك إن القبائل اليونانية (الأيونيّة والأيوليّة والدوريّة) كانت قد أخذت تنهض فجأة وتناضل في سبيل مجدها وتناوئ الحثيين والمصريين على السواء، وكان لابد لها قبل كل شيء من أن تقهر طروادة المحصنة القوية الرابضة على ضفة الهلسبنت (الدردنيل) الشرقية. . . وبعد أن وضعت الحرب أوزارها. . . وبعد أربعة قرون أو نحوها، جاء هوميروس ليروي وقائع هذه الحرب في منظومته الخالدة، أو وقائع السنة الأخيرة من السنوات العشر من حصار طروادة - أو اليوم - كما كان يدعوها غالباً.

فالإلياذة من هذه الوجهة قصيدة حربية حافلة بأنباء المعارك، تكاد تسمع صليل القتال وأنت تتلوها، وتكاد تشرف منها على ميدان صاخبٍ ثائر النقع، شديد الروع، فائر بالدماء. . . وإذا كنت من رجال الحرب سرتك الخطط المرسومة والخُدَع المحبوكة، وراعتك هذه الفيالق المجيّشة تأخذ أماكنها ثم تتحرك كالموج، ثم ترتد قطعة بعد قطعة وهي في حالتي الكر والفر كالرجل الواحد، أو كالبنيان المرصوص. . . والإلياذة من هذه الوجهة أيضاً تصور لك حياة الجند في الثكنات أبرع تصوير وأروعه، كما تصور وأروعه، كما تصور لك حياة البحارة والرياضيين والرعاة ورجال الجبال. . . لكنها لا تبلغ من ذلك ما بلغه هسيود في ملاحمه، وذلك ما نرجئه لفصل آخر

الإلياذة وصف قوي لهذه المجازر التي نشبت بين جيل من الناس. يسكن في طروادة، وبين جيل مختلف عن جيل طروادة. . . لأنه جيل من أنسال الآلهة، وذراري أرباب الأولمب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>