للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نصيباً من العاطفة والخيال في جملة شعره؛ وأبو العلاء في لزومياته أقل حظَّاً منهما ولكنه لم يخرج عن دائرة الأدب. وأبو تمام والمتنبي بين عاطفة البحتري وحكمة أبى العلاء

وبهذا يفسر قول القدماء: (أعذب الشعر أكذبه) فالأكذب أدخل في الخيال وأبعد عن الحقيقة. ولكن ينبغي ألا يخدعنا هذا القول؛ فربما نجد الشعر القريب من الحقيقة والبعيد عن الخيال أعذب واحب إلينا من شعر كثر خياله وبعد عن الحقيقة. وقد تبين العاطفة قوية واضحة حيث لا خيال كما يؤثر مرأى الطفل الحزين في رائيه، ويعجب المنظر الجميل شاهده، وليس هناك إلا الحقيقة المؤثرة

انظر قول كثير عزة:

خليليّ! هذا ربع عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت

لا تجد فيه مجازاً ولا استعارة ولكنه مثّل لك الشاعر واقفاً على دار عزة وقد خلت منها وهو يطلب إلى صاحبيه أن يعقلا ناقتيهما ليفرغا للبكاء معه. ليس في هذا تخيل ولا صنعة ولكنه يكشف عن عاطفة محزونة ساذجة لها أثرها في نفس الإنسان

وانظر هذه الأبيات:

أقول لصاحبي والعيس تهوي ... بنا بين المنيفة فالضمار

تمتع من شميم عَرار نجد ... فما بعد العشية من عَرار

ألا يا حبذا نفحات نجد ... وريّا روضه بعد القنطار

وأهلك إذ يحلَ الحيُّ نجداً ... وأنت على زمانك غيرُ زاري

ليال ينقضين وما شعرنا ... بأنصاف لهن ولا سرار

إنك تجد في هذا الشعر الطبيعي الصادق الخالي من الكذب والخيال والإغراق من الإبانة عن العاطفة مالا تجد في شعر متكلف قد أعرب فيه الخيال وافتنَّت فيه الصنعة

عبد الوهاب عزام

<<  <  ج:
ص:  >  >>