للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نظره هذه.

والذي يقرأ مآسي اليونانيين القديمة يلاحظ أن الشعراء قد عنوا بالإلياذة أكثر مما عنوا بالأوديسة، فأخذوا من الأولى أضعاف ما أخذوا من الثانية. وقد لا يكون بعيداً أن إسخيلوس قد أخذ من الإلياذة ستين مأساة على أقل تقدير من الثمانين التي ألفها والتي قال فيها إنها فتات من موائد هوميروس الغنية. . . وكذلك أخذ سوفوكلس مادة مآسيه في أكثر ما وضع للمسرح.

والإلياذة حقيقة بهذا الالتفات من شعراء اليونان، فهي النهر العظيم الجياش المتدفق الذي تفرعت منه الأوديسة والإلياذة الصغيرة والإلياذت الكثيرة التي ألفها شعراء القرن الثالث قبل الميلاد في كل من أثينا والإسكندرية، والتي لا نستطيع هنا أن نحصرها، بل أن نتكلم عنها.

وليس من شك في أن شخصية أخيل هي أبرع شخصيات الإلياذة. ولا غرو، فقد سمى هوميروس إلياذته (قصيدة غضب أخيل!!). وروح أخيل هي كهرباء الحماسة في الإلياذة من أولها إلى آخرها.

أنظر إليه وقد ذهبت به أمه إلى نهر الخلود تغطه فيه حتى لا ينفذ في جسمه رمح ولا سهم من رماح الحرب أو سهامها لأن لماء هذا النهر ذاك الفعل العجيب! وانظر إليه كيف يبتل جسمه كله ما عدا عقبه. . . ثم يكبر أخيل ويشب ويصبح بطل أبطال اليونان، ثم تكون حروب طروادة فيمضي إليها بخيله ورجاله، ويقتل الأبطال الصناديد، ثم يصوب إليه باريس سهماً من سهامه يقر في العقب التي تبتل بماء نهر الخلود فيكون فيه حتفه!

وانظر إليه يختلف، وأجاممنون من أجل الجارية بريسيز التي هويها أخيل وعلقها قلبه فيرفض أن يغشى المعركة، ويعتزلها وجنوده الميرميدون، فتدور بذلك الدائرة على جيوش اليونان ولا يغنيها أن يكون في صفوفها الأبطال المغاوير أودسيوس وأجاكس وديوميدز ومن إليهم. . . وأنظر إليه يكلمه بتروكلوس في نصرة بني جلدته حين يعز عليه أن يصطلمهم أبطال طروادة فيأذن له، ويضفي عليه درعه العظيمة التي ذهبت أمه فصنعتها له عند فلكان الحداد. . . ويذهب بتروكلوس فيكسر شوكة الطرواديين ويصيبهم القرح على يديه وأيدي الميرميدون جنود أخيل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>