للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكُتُب

رجعة أبي العلاء

تأليف الأستاذ عباس محمود العقاد

أبو العلاء المعري رجل عبقري الذهن ما في ذلك شك، وهو في عبقريته هذه نفاذ مستوعب يقتحم كل شيء ويحيط بكل شيء. ولقد اهتم به كثير من النقاد والباحثين في هذه الناحية، فدرسوا آثاره، وشرحوا أقواله، وحللوا ملكاته، وقال كل فيه بما يرى وعلى ما يفهم، والأستاذ العقاد في جملة هؤلاء الذين عنوا بشيخ المعرة، بل إنه لأشدهم مصاحبة له، ونظراً فيه، وإدماناً عليه. اتخذه رفيقاً في جميع أطوار فكره، وجرى معه في كل أدوار عمره، وكتب عنه في (المطالعات) عدة فصول هي أدق وأعمق ما كتب عن المعري في عبقريته وفلسفته وتحليل ملكاته. . .

والمعري أيضاً رجل عبقري النفس ما في ذلك شك، وعبقرية النفس هي الشعور بالواجب والحرص عليه، والإيمان بالحق والتفاني فيه، والإحساس القوي الذي يملأ النفس بالروحانية والثقة والكرامة والأنفة والترفع عن كل ما يشين ويزري بصاحبه. وغاية الكمال في (الشخصية) الإنسانية أن تجتمع لها العبقريتان: عبقرية الذهن وعبقرية النفس، فتتوازن من الجانبين، وتتعادل في الجهتين، فإذا هي على استواء في التفكير والتقدير، والعواطف والأهواء. . .

وإذا كان المعري في الناحية الأولى قد أشبعه الباحثون قديماً وحديثاً بالبحث والدرس، فإنه في الثانية مطمور مغمور، لم يفطن إليه كاتب، ولم ينتبه له ناقد، ومن هذه الناحية المجهولة، أراد العقاد أن يكشف عن أبي العلاء في (رجعة أبي العلاء) فبلغ من ذلك غاية ما يبلغه الناقد البصير في الكشف عن (مجهول) بالفرض والاستنتاج والحدْس والتخمين والمقارنة بين العبقريات والشخصيات، والمقابلة بين الآراء والأفكار، مع مراعاة الزمان والمكان، والظروف والملابسات.

ففي المقال الذي كتبه العقاد عن (صاحب الجلالة المعري) دراسة قويمة نافذة، تتجلى فيها عبقرية العقاد في البحث والتحليل وتنكشف فيها عبقرية المعري النفسية، أو ما يسميه العقاد بشيمة السمت والوقار، أو كما نقول في لغة العصر الحاضر: أدب البيئة وأصول اللياقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>