للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهنا وقف النواب وقفة جديرة أن تفخر بها مصر فيما تفخر به من مواقف البطولة، فلقد رفضوا أن يذعنوا، وهددوا رياضاً بما عساه أن يقع من الحوادث في البلاد تجاه سياسة الوزارة، وجعلوا تبعة ذلك عليها. . ولكم نرى من أوجه الشبه بين موقف هذا المجلس ومجلس طبقات الأمة في فرنسا حين وقف فيه نواب العامة يتحدون قرار الملك أثر صيحة ميرابو المدوية التي نقلت تاريخ فرنسا من فصل إلى فصل

ولكن النواب هنا لم يكونوا في الحقيقة يتحدون الخديو، ولقد كانوا يعلمون أنه يعطف على حركتهم ليتخلص بهم من تدخل الأجانب في شؤون مصر، ذلك التدخل الذي حرمه كل سلطة وإنما كان النواب يتحدون الوزارة الأوربية ويريدون أن يأخذوا السبيل عليها

وكانت مطالب المجلس يومئذ تنحصر في المسألتين الدستورية والمالية، أما أولاهما فتتلخص في أن تكون الوزارة مسؤولة أمام المجلس بحيث يصبح هيئة لها مكانها الفعلي في حكومة البلاد، وأما الأخرى فمؤداها أن يبحث المجلس المسألة المالية دون الأجانب وإن يقرر في أمر الدين والضرائب ما تمليه عليه مصالح البلاد.

وأصر النواب على تلك المبادئ فكانت حركتهم هذه حركة قومية بأوسع معاني تلك الكلمة؛ وكان يظاهر النواب أحرار البلاد من العلماء والأعيان والتجار، الذين لم تنقطع اجتماعاتهم في بيت البكري. وأخيراً اتفقت كلمة الجميع على أن يتوجهوا إلى الخديو بما عرف باسم اللائحة الوطنية، وفيها يعترض النواب على اقتراحات ريفرز ولسن التي كانت ترمي إلى إعلان إفلاس مصر، ويقررون أن إيرادات مصر تفي بدفع ديونها؛ ويطلبون إلى الخديو تقرير مبدأ مسؤولية الوزارة أمام المجلس وتأليف وزارة وطنية تقوم مقام هذه الوزارة الأوربية التي ضاقت بسياستها البلاد. . .

ولقد وضعت هذه اللائحة لجنة من النواب تحت إشراف شريف؛ فكانت هذه اللائحة الخطيرة كبرى حسناته إلى هذه البلاد كما كانت أهم خطواته السياسية وأبعدها في مجرى الحوادث اثراً؛ ووقع على اللائحة ستون من أعضاء المجلس ومثلهم من العلماء وفي مقدمتهم شيخ الأزهر والبطريرك والحاخام، كما وقع عليها عدد كبير من الأعيان والتجار والموظفين والضباط، ورفعت بعد ذلك إلى الخديو فرأى أن قد حان الوقت ليوجه إلى النفوذ الأجنبي ضربة قوية، فالبلاد من ورائه تؤيده وتشد ازره، ولذلك لم يتردد في الموافقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>