للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

موائد (الشاي المفتخر) كل مع من يشاكله ويأنس إليه، فيغرقون في الحديث عن أنفسهم، أو يتلهون بالنرد ولعب الورق على تدخين النارجيلة ورشف أكواب الخمر الحلال: أكواب الشاي الأخضر والأحمر والأسود والأبيض الذي يتيه الفيشاوي بصنعه على كل مقاهي القاهرة، وكأني بأدباء الفيشاوي يجدون في هذه الأكواب لذة وغناء عن أكواب بنت الحان. . .

وكثيراً ما ينطلق أدباء الفيشاوي على طبيعتهم، فيتشاجرون بالنادرة ويتضاربون بالنكتة، ويغرقون في المرح إلى أبعد حد، ويرسلون الضحكات عالية قوية كلها سخرية بالحياة، واستهانة بقسوة الدهر، واستخفاف بعبث الأيام ومطالب العيش، فهم يضحكون عن فلسفة ونظر، وكأنهم يقولون: ولماذا يا أخي لا نضحك، وقد تحملنا من الرهق فوق الطاقة، ولقينا من الأقدار ما تنوء به عزائم الرجال؟ فيالها من دنيا لا تستحق إلا الهوان. . .

وأدباء الفيشاوي يتباينون في ثقافتهم، ويختلفون في عقليتهم وإن كانوا جميعاً في نظرتهم إلى الحياة سواء، فتجد فيهم الشيخ الأزهري الذي يرغي ويزبد بالقافات كما يقول حافظ، وفيهم الأديب الظريف الذي يملأ جعبته بنوادر السابقين واللاحقين، وفيهم الصحافي الذي يضيق رأسه بأخبار الملاهي والمسارح ونجوم السينما والمسرح في هوليود وعماد الدين، وفيهم من يضج لسانه بالعجمة ويرتضخ بالعامية وكل ما عنده جملة طيبة من أسماء الأدباء في الشرق والغرب، وهو يحسب أنه رأس المفكرين، ولله في خلقه شئون.

ويجري ذكر الأدب والأدباء في حلقات الفيشاوي، فيذكر من الكتاب العقاد والمازني وطه وهيكل والزيات وأحمد أمين وزكي مبارك وكل كاتب في مصر، ويذكر شوقي وحافظ ومطران وشكري والزين والهراوي والأسمر وكل شاعر حي أو غبر، ويذكر حافظ عوض وعبد القادر حمزة وأنطون الجميل وصاحب الهلال وإخوانهم في الصحافة، ويذكر يوسف وهبي، وجورج أبيض وسليمان نجيب، وعزيز عيد، وفاطمة رشدي، وزينب صدقي، وأمينة رزق، ومن لا أعرف من أهل المسرح، ولكن كل هؤلاء لا يفوزون من أدباء الفيشاوي إلا بابتسامة؛ ولست أدري أهي ابتسامة الرضى والإعجاب أو الهزء والاستخفاف. وعلى كل حال فهم يرون أنه لولا معاكسة الأقدار، وقسوة الحظ لكان أقل شخص في الفيشاوي أكبر من أي شخص من هؤلاء في النثر أو في الشعر أو في الصحافة

<<  <  ج:
ص:  >  >>