للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اجتمع الأساقفة والرهبان يرون رجلاً في يده الدنيا ولكنها ليست في قلبه، يملكها ولا تملكه، ويصّرفها ولا تصرّفه، ويستبعدها ولا تستبعده. وليس شيئاً أن تكون زاهداً في صومعة ولكن العظمة كلها أن تكون زاهداً والدنيا تحت قدميك.

(ودفع عمر قميصاً له كرابيسَ قد إنجابَ مؤخرُه عن عقدته من طول السير، إلى الأسقف وقال: أغسل هذا ورقعه. فانطلق الأسقف بالقميص ورقعه، وخاط له آخر مثله فراح به إلى عمر؛ فقال: ما هذا؟ قال الأسقف: أما هذا فقميصك قد غسلته ورقعته؛ وأما هذا فكسوة لك منيّ. فنظر إليه عمر ومسحه ثم لبس قميصه ورد عليه ذلك القميص. وقال: هذا أنشفهما للعرق).

- ٢ -

وسار عمر حتى نزل الجابية في وسط الشام التي غلب عليها هرقل، ولكنه دخل الجابية كما دخل أيلة. قدم (على جمل أورق تصطفق رجلاه بين شعبتي رحله بلا ركاب. وطاؤه كساء أنجاني ذو صوف، هو وطاؤه إذا ركب، وفراشه إذا نزل. حقيبة ممزقة أو شملة محشوّة ليفا هي حقيبته إذا ركب، وسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس. الخ)

وجاءه رجل من اليهود، وكان اليهود يرقبون رَوح الله بأيدي العرب، ويدعون الله أن يفرج كربهم ويذهب عنهم جبروت الروم بأيدي المسلمين. قال اليهودي: السلام عليك يا فاروق، أنت صاحب إيليا، لا والله لا ترجع حتى يفتح الله إيلياء

وأقبل وفد بيت المقدس إلى الجابية فصالحوا، وكُتب لهم عهد شهد فيه خالد بن الوليد وعمر بن العاص وعبد الرحمن ابن عوف ومعاوية بن أبي سفيان. وأعطوا الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وألا يُكره أحد على الدين أو يضّار في شيء

وأزمع أمير المؤمنين المسير إلى بيت المقدس فإذا فرسُه يتوجّى فأتى ببرذون فركبه ومشى البرذون مشيته فأسرع وهزّ راكبه فرأى عمر فيها خيلاء فنزل وضرب وجهه وقال: لا علّم الله من علّمك، هذا من الخيلاء

- ٣ -

دخل عمر بيت المقدس لا مدمراً مخرباً كما دخلها بختنصر، ولا مضطهداً أهلها كما دخلها

<<  <  ج:
ص:  >  >>