للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما كتاب الفرنجة فقد رأينا مستشرقيهم يتهافتون على هذا الموضوع، ويسلكون فيه هذه المناهج العلمية التي قد تفيد من ناحية الشكل والنظام، ولكنهم بعد ذلك كانوا فريقين: فريقاً أتخذ السيرة مجالاً للتعصب على الإسلام فكان من المبشرين الخاطئين، وفريقاً حاول الإنصاف ووقف عند الأصول العلمية الجافة ففقد هذه الروح أو الجو الذي كانت تجري حوادث السيرة في ظلاله، فتعسر عليه تفسير أشياء كثيرة كان من السهل عليه إدراكها لو أنه كسب هذه الروح وعاش بخياله في عصور النبوة الأولى. نذكر من آثار المستشرقين حياة محمد لإرفنج، وأخرى لوليام موير، وثالثة لمرجليوث، ولا ينسى التاريخ هذا الفصل البديع الذي كتبه كارليل تحت عنوان (البطل في صورة نبي) إذ دل على تفهم عام لهذه الروح التي كانت تشيع في بلاد الرسالة قديماً

على أن الهنود لم يقصروا في هذه الناحية فكتبوا باللغة الإنجليزية في السيرة رأساً مثل النبي لمولانا محمد علي، وفيما يتصل بها مثل روح الإسلام لسيد أمير علي، ولغير الهنود في مصر وفي العالم الإسلامي آثار في السيرة لم تخل من فائدة.

- ٣ -

ولكننا نختار من هؤلاء المعاصرين ثلاثة نقف عندهم وقفة قصيرة لا لشيء إلا لأنهم نهجوا في كتابة السيرة مناهج طريفة من ناحية، ومتغايرة من ناحية أخرى: محمد حسين هيكل، وطه حسين، وتوفيق الحكيم

يتفقون جميعاً في العناية المحمودة بسيرة الرسول، وجعلها في العصر الحديث موضوعاً خليقاً بالدرس وبذل الجهود في إذاعته بين الناس بأسلوب جديد يقربه إليهم ويحببه إلى نفوسهم، وهذا وحده غرض نبيل يستحق التقدير. كذلك سلكوا مسالك واضحة ممتازة وإن كانت متغايرة، ولكل مذهب محدود ذو معالم ألتزمها صاحبة ليس فيه هذا الاضطراب القديم الذي كان يجمع أشتاتاً من القصص، والتقرير والوصف والرواية ونحوها، وإنما هو مذهب علمي أو فني متناسق الأجزاء، منظم العناصر، فيه فقه للأشياء وفهم لها بروح قديمة أو حديثة أو بهما جميعاً. ومع ذلك فهم مختلفون في أشياء كثيرة

يمتاز هيكل بالمنهج العلمي الذي ترسمه فيما كتب، فكان مذهبه مذهب العالم المحقق، إذ قسم موضوعه إلى فصول متواصلة متلاحقة كما كانت حياة الرسول عليه السلام منتظمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>