للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان سَلم بن نوفل سيد كنانة فجرح رجل ابنه، فأتى به، فقال له: ما أمنك (ص١١ م) من انتقامي؟ قال: فلم سودّناك إلا أن تكظم الغيظ وتعفو عن الجار وتحلم عن الجاهل وتحتمل المكروه؟ فخّلى عنه. دخل جُذيم بن أوس الطائي على معاوية، فقال: من سيُدكم اليوم؟ قال: من احتمل شتمنا، وأعطى سايلنا (سائلنا) وأغضى عن جاهلنا، وأغتفر ضَرَبنا (ضرْبنا) إياه بعصيّينا (بعصيّنا). وقال عدي بن حاتم: السيد، الأحمق في ماله، ذليل (الذليل) في عرضه، المطرحُ لحقده، المعّني (المعنيّ) بأمر عامته. يقال الارتقاء إلى السوود صعب، والانحطاط إلى الدَّناة (الدناءة) سهل. قال عمر بن عبد العزيز لرجل: من سّيد قومك؟ قال: أنا، قال: ولو كنت كذا ما قلته. مال (قال) معاوية لوفد: كيف كان قطبة بن زيد فيكم؟ قالوا: كان إذا حضر أطعناه، وإذا غاب شتمناه. قال: هذا والله السودد المحض. قال عمرو بن عبيد: لا يكمل مروة الرجل في دينه حتى يكون فيه ثلاث خلال: يقطع رجاه مما في أيدي الناس، ويستمع الأذى فيحتمل، ويحب للناس ما يحبَّ (يحبُّ) لنفسه. قال ابن عمر: إنا معاشر قريش نعد الحلم والجود السودد، ونعد العفاف وإصلاح المال المروة. سأل معاوية (ص١٢) الحسن بن علي رضى الله عنه - عن المروّة. فقال: حفظ الرجل دينه وإحرازه نفسَه من الدنَس وقيامه لضيفه وآد (أداء) الحقوق وإفشاء السلام. بعث رسول من خرسان إلى سَوار بن عبد الله القاضي يسأله عن المروة ما هي، فقال الإنصاف والتفضل. وقال علي رضى لله عنه: ثلاث من كن فيه استوجب بهن أربعاً (ثَلثاً تصويب في النص) من إذا حدث الناس لم يكذبهم، وإذا وعدهم لم يخلفهم (يخلفهم)، وإذا خالطهم لم يظلمهم؛ فإذا فعل ذلك فقد وجبت اخوته وكملت مروته وحرمت غيبته. قال ابن عمر: ما رأيت أحداً أسود من معاوية، قيل: يا أبا عبد الرحمن: أهو خير من أبي بكر وعمر؟ قال: هما خير منه، وهو أسود منهما. قيل له: هو أسود أم عثمان؟ قال: إن عثمان لسيّد، ومعاوية أسود منه.)

ب مخطوط ايا صوفيا.

وأما المروة فلها اشتقاقان من أحدهما يقتضي أن يكون هي والإنسانية متقارنتين، وهو أن يجعَل من قولهم: مَرُؤ الطعام وامرأة (وأمرأة) إذا تخصص بالمري لموافقته الطبعَ، فكأنها اسم الأخلاق والأفعال التي تْقلّبها (تقبلها) النفوس السليمة. فعلى هذا يكون اسماً للأفعال المتحسنة كالإنسانية. والثاني أن يكون من المرْءِ فَيُجعل اسماً للمحاسن التي يختص بها

<<  <  ج:
ص:  >  >>