للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مثنياً فيها على الله أن مكنه من القيام بامتثال أوامره، ومتوسلاً إليه أن يسبغ بركاته على بني إسرائيل

ثم سمت الفكرة الروحية حول الذات العلية، عند عامة اليهود، ووعاظهم، واختفت عقيدة التجسيم من أفئدتهم، وأدرك الناس أن العبادة شرعة يصل بها العبد إلى مولاه؛ ومن ثم أصبح اليهود بالعرف والعادة أمة ذات صلاة، على الرغم من فقدان النص الصريح في شريعتهم. ولكن الصلاة عادت آلية في كثير من الأحيان؛ لأن الشعب لم يجد مناصاً عن طلب الكاهن ليؤمهم، إذ لم يكن بين أيديهم تشريع خاص من الله يرجعون إليه؛ ونفقت سوق الكهنة وأخذوا يبيعون كلمات الله بثمن بخس دراهم معدودات. ألم يعنفهم القرآن على ذلك الجرم في سورة البقرة مخاطباً بني إسرائيل: (ولا تَشْتُروا بآياتي ثمناً قليلاً، وإيَّايَ فاتَّقُون)؟؟

ثم مثلت تعاليم المسيح تطوراً جديداً في شعور الإنسان الديني وقدرت الصلاة حق قدرها، واقتفى الحواريون خطى إمامهم فعكفوا على عبادة الله وحمده؛ ولكن المسيحية، جاءت كاليهودية، خِلوا من قواعد معينة، ونظم محدودة، يسترشد بها الدهماء في صلاتهم، فتركوا على مر الزمن ألعوبة في يد القسيسين الذين أخذوا على عاتقهم، تنظيم العبادة، وبيان أوقاتها ومراسيمها؛ ومن ثم ألفت كتب الصلاة والأنظمة الدينية، والمجالس الكنسية؛ لتبين للناس ما يعتقدون وكيف يتعبدون؛ ومن ثم برزت للوجود عبادة الرهبان الآلية، وأناشيدهم وترتيلاتهم التي لا روح فيها؛ واخذ الناس يهرعون إلى الكنائس يوماً من كل أسبوع، ليأخذوا ما فاتهم من الغذاء الروحي خلال الأيام الستة الأخرى.

كانت هذه حال الديانات في القرن السابع الميلادي، حين سطع نور الرسالة المحمدية في أفق صحراء العرب، يهدي الناس إلى دين جديد، يشبع نهم نفوسهم، ويسمو بأرواحهم إلى الدرجات العلى. دع جانباً ما كانت تهيم فيه الأمة العربية ذاتها، من ضلال، وفساد في العقيدة، وإسفاف في الفكرة الدينية، وعجز عن إدراك عظمة الإله وقدسيته، وطوافها بأصنام من الحجر الصلد، لا تحير جواباً إذا نوديت، أو تنفع إذا دعيت، أو تشع في الفؤاد نوراً أو تبعث في الروح يقظة إذا عبدت وقدست.

نفذ الإسلام إلى قرارة الروح الإنسانية، ورأى تحرقها للإفصاح عن حبها وشكرها لله،

<<  <  ج:
ص:  >  >>