للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التاريخ، وأن يلخص درامات إسخيلوس السبع أسرع تلخيص وأقصره في مثل هذه الفصول المقتضبة الضيقة؟

روى المؤرخون أن أسخيلوس كان لا يأنف أن يرى النقص في إحدى دراماته فيعترف به قبل أن يأخذه عليه أحد من النقاد ثم يعمل على إصلاحه في الدرامة التي تليها، وقد يحدث أنه يفوز بالجائزة الأولى في إحدى المسابقات بدرامة كان يشك أكبر الشك في نجاحها، فإذا تناول الجائزة لم يأبه أن يلفت الناس حوله إلى نواحي النقص في تلك الدرامة التي حازت إعجابهم واستولت على شعورهم. . . وفي هذا دليل على أن إسخيلوس كان ينشد المثل الأعلى لفن الدرامة، وكان لذلك يدأب على عمل التجارب ليأخذ بالأصلح وليتوقى ما لا غناء فيه، وكان لا يأنف من الانتفاع بجهود الآخرين وتجاربهم، وكان يعنى عناية خاصة (بتكنيك) المسرح فكان بذلك أول المخرجين الأكفاء وأعظمهم. . . وهو أول من خفض عدد أفراد الخورس وزاد عدد الممثلين، وجعل الغناء والإنشاد في المرتبة الثانية بعد الكلام والحوار. وهو أول من أبتكر الثلاثية، أي المأساة الكبيرة التي تتكون من ثلاث مآس تربطها عقدة واحدة ويجمع بينها موضوع واحد. وقد كان يعتبر هوميروس معينه الأول، فكان يقول أن مآسيه فتات من مائدة هومر، لكنه مع ذاك أبتكر الدرامة السياسية وانتزعها من الأحداث الجلائل التي كانت تحدق بوطنه في ذاك العصر. . . وكان يعنى عناية فائقة (بالحبكة) الدرامية في مآسيه ويجري من خلالها تجاريب الحياة التي تمرس بها فكانت دراماته تشبه التماثيل الفنية الرائعة التي يعنى فيها الفنان بإبراز معنى خاص يجتهد في أن يبرز لأول وهلة للرائي فيملك عليه لبه ويستحوذ على إعجابه.

وكان السراة من أهل أثينا وأغنياؤها يتسابقون إلى الإنفاق على درامات إسخيلوس، وقد ثبت أن بركليس نفسه، وهو سيد هذا العصر قد كان ال: (خوريجس لأكثر من درامة من درامات إسخيلوس.

وأبرز ما يلفت الإنسان من دراماته هو هذا الروح السفسطائي الذي يشيع فيها جميعاً، حتى لقد دعاه المؤرخون أول مبشر بمذهب السفسطائيين قبل أن يوجد السفسطائيون، فهو الذي لم يبال أن يتناول في دراماته ذوات الآلهة بالنقد والتجريح، ومهد بذلك لموجة الشك التي طغت على اليونان بعد ذلك. . . حقيقة لقد سبقه كثير من الفلاسفة إلى ذلك، لكن أحداً منهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>