للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موكبه أزهار القلوب: دموع الفرح، وهتاف المحبة وتصفيق الإعجاب وحيت لأول مرة العلم العربي الذي يرفرف اليوم فوق بغداد.

وأحبت دمشق فيصلاً أصدق الحب، كما أحبها فيصل، ووثبت ترقص من الطرب وتغني حتى كأن كل يوم من حكمه عيد وفي كل بقعة من الشام عرس، وفاض الخير وابتسم الزمان، وطغت الحماسة على الأفئدة، وعم البشر الوجوه، وولدت دمشق الأموية عاصمة الأرض مرة ثانية. . . وظننت أنك استرحت يا بلدي الحبيب!

ولكنا لم نلبث إلى قليلاً حتى سمعنا صوت النذير. . . ماذا؟ ماذا هناك؟ فقال: انهضوا دافعوا عن استقلالكم الوليد، لقد جاءت القوة العاتية تخنقه في مهده. . . فجن جنون دمشق، وعصفت النخوة في رؤوس بنيها، فلم يسمعوا قول فيصل الحكيم ولا أقوال العقلاء من صحابته، ولم تمض العشية وينبثق الفجر حتى كانت دمشق كلها في بقعة الشرف في (ميسلون) ولم يؤذن الظهر حتى رجعت دمشق من ميسلون وقد تركت فيها استقلالها الوليد وقائدها الشاب صريعين مجندلين على وجه الثرى، هذا قتيل شهيد، وذاك جريح مريض، وفقدت دمشق كل شيء، ولكنها لم تفقد الشرف، كما قال من قبل فرانسوا الأول ملك الأقوياء. . . الذين دخلوا دمشق دخول المنتصرين الفاتحين. . .

وعاد (بلدي الحبيب) إلى حياة الرعب والأسى والنضال. . .

ولكنه لم يخف ولم يجبن. لقد خسر في (ميسلون) ولكنه حفظ الدرس الذي ألقته عليه الحياة في ذلك اليوم، واستراحت دمشق حيناً ثم قفزت قفزة اللبؤة الغضبى، فإذا هي في العرين (في الغوطة الخضراء) وإذا الأقوياء بجيشهم كله وعتادهم يقفون أمام الثائرين، وهم بضع مئات يقودهم رجل أمي من دمشق كان خفيراً من خفراء الأحياء، فلا يستطيع الأقوياء الظفر بهم، فيعودون حنقين، فيسلطون نيران مدافعهم على المدينة الآمنة المطمئنة، فلا يروعها إلا جهنم قد فتحت أبوابها من فوقها، فيخرج أهلها من منازلهم تاركين كل ما فيها للنار، ويمسي المساء على دمشق وثلثها خرائب كخرائب بابل وقد كانت في الصباح أجمل وأبهى وأغنى قصور دمشق. . .

وتعيش دمشق سنتين وسط الرعب والنار والحديد، ثم يحل السلام وتخرج دمشق من المعركة وقد نجحت في الامتحان الثانوي في الغوطة، كما نجحت من قبل في الامتحان

<<  <  ج:
ص:  >  >>