للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في مصر حتى الآن، وكل ما في الأمر أن مصر أنجبت طبقة من المثقفين عالية لا تستطيع أن تجاري الشعب في تفكيره، إذ أن التوازن مفقود بين هذه الطبقة العالية في ثقافتها وبين الشعب الذي لا يزال أكثره أمياً أو ضئيل التعلم. وعكس ذلك لبنان وسائر البلاد العربية، إذ نجد الطبقة المثقفة هناك لم توجد بينها وبين الطبقة العامة مثل الهُوى التي توجد في مصر. هذا السبب المادي الذي آل إلى تخلف بعض البلدان العربية عن مسايرة مصر يتبعه سبب آخر هو قلة السكان في أي قطر من الأقطار بالنسبة لمصر، فأكبر بلد عربي لا يتجاوز سكانه خمسة ملايين، بينا مصر تعد بفضل الله ستة عشر مليوناً أو تزيد، وهذا له أثره في قيمة انتشار الثقافة العامة، إذ لا تستطيع الطبقة المثقفة أن تسير في واجبها بوساطة التأليف ونشر المجلات العلمية والأدبية لقلة عدد المستهلكين حيث لا يجد القائمون عليها وسيلة من وسائل الاستغلال والإفادة، بينا مصر تساعدها كثرة سكانها على نشر مختلف المجلات وطبع متباين المؤلفات، ومع ذلك نستطيع أن نسأل الدكتور نفسه عن عدد الكتب التي طبعها وعدد نسخها وما هي الكمية من هذه الكتب التي استطاعت مصر أن تهضمها بالنسبة إلى الكمية التي أقبلت عليها البلاد العربية؟ أكبر الضن أنا سنرى البون شاسعاً بين ما تناولته مصر من مؤلفات الدكتور وبين ما التهمته العقول العربية ولنا في شهادة أستاذنا الزيات أكبر دليل، فالرسالة أثيرة لدى الشعب العربي حبيبة إليه يقبل لذلك عليها أكثر من إقبال إخواننا المصريين. أليس فهذا دليل على رقي الشعب وكثرة المفكرين فيه؟ ولكن ما الحيلة في أن الله قد ابتلانا بضعف المادة وقلة السكان مع ما سيأتي من الأسباب فحرمنا ذلك من كثير من وسائل الإعلان والدعاية؟

وبعد ذلك يا سيدي يحضرنا السبب الثالث الذي يقوم على السببين الأولين - ضعف المادة وقلة السكان - وهو انعدام وسائل النشر والدعاية أو ضعفها، إذ أن المادة التي يقوم عليها البشر لا تواتي المؤلفين والناشرين على الإكثار منهما لقلة ما بأيديهم منها؛ هذا إلى أن ضآلة الاستهلاك من هذه المطبوعات والمنشورات لقلة عدد السكان قعد بالبلاد عن الإعلان والدعاية اللذين اتخذتهما مصر سبباً من أسباب نهضتها بصحفها ومجلاتها وكثرة مطبوعاتها لاعتمادها على ما لديها من المادة وكثرة الاستهلاك المحلى. فالصحف المصرية مثلاً تستطيع أن تنفق عن سعة لأنها ترتقب انتشارً سريعاً بين السكان وقل مثل ذلك في

<<  <  ج:
ص:  >  >>