للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالإخلاص والحماسة والعزم وهي خلال لن تقوم عظمة حقيقية بدونها ولن تغنى عنها سواها من الخلال مهما كان من قيمتها في مجال آخر؛ ولرجل واحد وثيق العزيمة صادق الإخلاص متوقد الحماسة خير في قيادة الناس وتحريرهم من عشرات الفلاسفة الغارقين في أوراقهم وكتبهم

وما كان عرابي فيما استخلص من سيرته خلواً من هذه الخلال، بل لقد كان ما توفي له منها لا ينزل به في البطولة عن مرتبة شريف والمويلحي والقاني ومحمد عبده وجمال الدين والبارودي وغيرهم من مثقفي عصره، إن لم يكن يرتفع به عليهم على ضآلة علمه بالنسبة إليهم. ولست أغلو في ذلك أو أتحيز، وإلا فكيف انتهت إليه في وقت ما زعامة الحركتين الوطنية والعسكرية معاً؟ ولقد كان في الأولى كما ذكرت من الرجال من هم أعلى كعباً منه في المعرفة، وفي الثانية من هم أرسخ قدماً في الجندية؟ وهل يعزى ذلك إلى الحظ وقد كان عرابي من أكثر الناس شغباً على رؤسائه في الجيش، أم يعزى إلى الجاه والثروة وقد كان فلاحاً ابن فلاح من بيت عادي لا ثروة له ولا جاه؟

ألا إنه لا مناص لنا إذا أردنا الإنصاف من أن نعزو ذلك إلى انه كان أكثر ممن حوله أيماناً وأقوى منهم جناناً وأشد منهم توثباً وتطلعاً، وإن كان من أقلهم معرفة واطلاعاً؟ وهنا لا أتردد أن أثبت رأياً آخر وهو أنه لا يجوز عندي أن يعد عليه ما يعزى إليه من جهل أو أن يؤخذ به، وإنما ينبغي أن يعد له وأن يعتبر داعياً من دواعي فخره!

انتظم عرابي في سلك الجندية (نفراً) عادياً فما لبث أن ترقى بعد سنتين إلى رتبة (ملازم ثان) وكان ذلك حوالي عام ١٨٦٠ ثم إلى رتبة ملازم أول فيوز باشي في نفس العام، ولم يمر عامان بعد ذلك حتى وصل إلى رتبة قائمقام (بك) وكان عرابي أول مصري وصل إلى هذه الرتبة كما يقول في مذكراته

وصل هذا الجندي من رتبة الجاويش إلى رتبة قائمقام في نحو أربع سنوات وما كان ذلك عن حظوة له عند أحد، وإنما كان سلاحه ذلك القدر من العلم الذي أشرنا إليه، فيه تمكن عرابي أن يدرس القوانين العسكرية ويجتاز الامتحانات متفوقاً، ويدلنا ذلك على ندرة المتعلمين في ذلك الجيش، ولا شك أن هذا الترقي السريع قد بث في نفس الفتى القروي كثيراً من الطموح والإقدام. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>