للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حل له ولا بيان. وكانت النتيجة إننا لم نرث عنهم سوى الناحية الأدبية وهي كما قلنا لا تشرف في قليل ولا كثير، بل لعلها قد أثرت أثرها السيئ في الإفهام.

بقيت الآن ملاحظة ثانية على الفروق بين موسيقى الشرق وموسيقى الغرب، تلك هي ضعف الأولى وخلوها، وامتلاء الثانية وقوتها، وهذا فيما أرى يرجع لسبب لا نملكه.

ينشأ الموسيقي الغربي بين جبال وصخور وبحار عظام تمثل قوة الطبيعة وعظمتها وتهب عليه العواصف وتنقض الصواعق وترعد في سمائه الرعود فعندما تجول في مخيلته الموسيقية فكرة نراه تأثر فيها بتلك المؤثرات التي أحاطت به والتي تكيفت بها عاقلته ومخيلته. فنراها في صوته الأجش القوي وفي موسيقاه الممتلئة الضخمة.

أما نشأة الموسيقي الشرقي فعلى ضفاف نهر عذب تسطع عليه شمس صافية وتهب من حوله نسمات تتهافت في الرقة واللطف، وشد ما قاساه من قسوة الطبيعة وبطشها لفحة حر أو قرصة برد لا تلبث حتى يصفوا الجو ويعتدل النسيم.

ذلك ما يحيط بالموسيقي الشرقي وذلك ما يوحي إليه بفكرة موسيقاه وهذا ما ترتاح إلى سماع التعبير عنه أذاه وهذا سر تلك الرقة التي نشاهدها في موسيقاه وهي ليست منقصة أو عيباً ولكن الضعف هو ضعف التعبير عن الفكرة كالبيت من الشعر يصف البستان النظر والمنظر الجميل في أسلوب ضعيف وفكرة غنة وليس العيب فيها عيب الموصوف بل عيب القصور في التعبير وضعف شاعرية الشاعر.

ورقة الموسيقى ليس معناها ضعفها من الناحية الفنية، بل لعلها تكون قوية كل القوة وهي تسيل رقة ولطفاً، ولعل من يسمع لبتهوفن يمكنه أن يفهم ما اعنيه تماما بقوة الموسيقى ورقتها مجتمعين معا.

بقي الآن الحديث عن تركيب الأنغام في كلتا الموسيقتين والأوزان والتآلف فيهما، وارجوا أن تتاح لي الفرصة قريبا للكلام عنهما في أعداد قادمة من (الرسالة).

مدحت عاصم

<<  <  ج:
ص:  >  >>