للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان (فرعون) نحيل الجسم قصير العود تعلو وجهه الأسمر صفرة كصفرة النرجس الذابلة. ولما رأيته وتبينت ملامحه لم املك نفسي إن صحت صيحة مكتومة هائلة. (أتعرف توت عنخ آمون؟) إذا كان صاحب الصورة التي ألفنا رؤيتها منذ كشف المقبرة المشهورة.

وقد كان المنظر الذي حولي يدعوني إلى الخشوع والرهبة. غير إني مع ذلك وجدت من نفسي كبراً أن اسجد لمخلوق، فلم اسجد مع الساجدين، وكنت أخشى أن يمسني من ذلك سوء. غير إني تعجبت إذ رأيت الحاضرين لم يزعجهم ذلك بل كأنهم لم يلحظوا شيئا.

فتجرأت وقمت أسير وراء موكب الملك بين صفوة المتقربين وهامات رجال الجيش وكبار الكهنة.

وسار (فرعون) في سبيل مرسومة إلى أن بلغ قدس الأقداس خلال الأغصان الملتفة والأوراق المتعانقة المتراقصة. كأنها الرقراق من جدول يجري بعد الترويق، أو النسيم يسري من تعدد المسارب والثنيات، فكانت إذا بلغتني تتوارد هينة مصقولة فتخلف عنه القواد وسجدوا إيذانا بالوقوف عند حد الحرم الممنوع، ولكني دخلت وراء الموكب ولم يبقى فيه إلا الملك والكاهن الأعظم وبعض كبار الكهنة يحملون في أيديهم هدايا الملك إلى إله طيبة الأعظم (آمون). فلما أن بلغوا المذبح وضعوا ما بأيديهم وانحنوا إجلالا، ثم وضعوا البخور في المجامر وعلا صوتهم بنشيد قدس الأقداس:

أأمون بارك سليل العلا ... ومن فيه يجري دم الاقدسين

ولكنهم وقفوا حيث انتهى بهم السير، ودخل الملك وحده إلى الحرم الأقدس يتبعه الكاهن الأعظم، فترددت قليلا ثم عاودتني الجرأة فسرت وراء الملك إلى قلب ذلك المكان المحرم، ولكني عجبت إذ لم يمنعني أحد ولم تلتفت إلي عين. ولقد راعني الأمر وهالني مخافة أن أكون أقدمت على انتهاك حرمة جزاء الاعتداء عليها الهلاك. فقد كنت اعرف إن ذاك الحرم لا يحل دخوله إلا للملك ولرئيس الكهنة، وان الموت هو العقاب لمن يدخله من غيرهما. غير إني مع ذلك لم الو على شيء، بل سرت قدماً وسط الظلام الدامس الذي لا تضيء فيه إلا ذبالة ضئيلة في زجاجة حمراء لا يكاد الإنسان يتبين فيها إلا أشباحاً كأنها الظلال المتحركة.

ولما صار الملك هناك وحده مع الكاهن، أقول وحده لان كل الأدلة تدل على انه لم يلحظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>