للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أثر هذا أو ذاك في تقويم أقدار الأدباء؟

أصحيح أن الأدباء في حاجة إلى الاجتماع؟

أنفع من هذا وأقرب إلى تبيين الصواب أن تسأل: هل صحيح أن شاعرين يشتركان في نظم قصيدة واحدة؟ وهل صحيح أن مصورين يشتركان في رسم صورة واحدة؟ وهل صحيح أن الأدب في لبابه عمل من أعمال التعاون والاشتراك؟

الحقيقة أن الأدباء حين يخلقون أعمالهم فرديون منعزلون، فلا حاجة بهم إلى محفل يسهل لهم الخلق والإبداع، ولا فائدة لهم على الإطلاق من اتفاق أو اجتماع

والحقيقة أن التعاون إنما يكون في مسائل الحصص والسهوم والأجزاء، ولا يكون في مسائل الخلق والتكوين والإحياء

لأن الفكرة الفنية كائن حي ووحدة قائمة ليس يشترك فيها ذهنان، كما ليس يشترك في الولد الواحد أبوان

فإذا كان تعاون بين الأدباء، فإنما يكون على مثال التعاون بين الآباء

إنما يكون تعاوناً على رعاية أبنائهم وحماية ذرياتهم، وقلما يحتاج الآباء إلى مثل هذا التعاون إلا في نوادر الأوقات

فإذا اجتمع الأدباء فلن يرجع اجتماعهم إلا إلى حواشي الأدب أو (ظروف) الأدب كما يقولون دون الأدب في صميمه

وإذا اجتمع الأطباء فهناك طب واحد، أو اجتمع المحامون فهناك قانون واحد وقضاء واحد، أو اجتمع المهندسون فهناك هندسة واحدة وبناء واحد، فكيف يجتمع الأدباء كما يجتمع الأطباء والمحامون والمهندسون وكل أديب منهم نموذج لا يتكرر، ونمط لا يقبل المحاكاة، وأدب تقابله آداب متفرقات

وإن محامياً قديراً ليغني عن محام قدير، ولكن هل يغني أديب كبير عن أديب كبير؟ وهل ينوب خالق في الفنون عن خالق آخر في الفنون؟ كلا. . . لن ينوب هذا عن ذاك ولن يختلط هذا بذاك، كما أن الوجه الجميل لا ينوب عند عاشقه عن الوجه الجميل ولو اشتركا معاً في صفة الجمال

كل أديب نمط وحده، وكل أديب في غنى عن سائر الأدباء إلا أن يتعاونوا كما أسلفنا في

<<  <  ج:
ص:  >  >>