للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قالوا: سكت؟]

للأستاذ أمجد الطرابلسي

قالوا: سكتَّ عن الغناء؟ فقلت: لا ... في مسمع الأكوان رَجْعُ غنائي

غنَّيتُ في أُذُن النهار سعادتي ... وهمستُ في قلب الظّلام شقائي

وَوَعتْ أناشيد الطيورُ وردّدتْ ... همسي الخفَّي كواكبُ الظّلماء

فسلوا الجداولَ عن غِناء مياهها ... هل غير ألحاني غناء الماءِ

وسلوا الخمائلَ عن ندى أزهارها ... هل غير دمعي لؤلؤ الأنداء

والورد والشّفَق المُخَضّب واللّظى ... هل هُنَّ إلا من وَميضِ دِماء

والبحر هذا الهادي الصَّخّاب هل ... أمواجُه إلا صَدى أهوائي

والريح هل هبَّاتها بعد الونى ... إلا انبعاثي بعد موت رجائي

اللّيلُ والأرماسُ بعضُ كآبتي ... والفجرُ والأعراسُ بعض هنائي

والعِيدُ صورةُ فَرْحتي ومبَاهِجي ... والبِيدُ صورة وَحْشتي وفَنائي

والرعد يحكي ثورتي في قَصفه ... وزفيفُ أجنحة الطّيور رضائي

ولقد مَلأتُ الفُتون جَوانحي ... وطويت فوق فنونه أحنائي

وكرعتُ أكوابَ الجمال ولم أزل ... أشكو له نَهَمي وحرَّ ظِمائي

أحببتُ ما شاء الهُيام وشاء لي ... قلبٌ غمرت بحبِّهِ أعدائي

قالوا: سكتَّ عن الغناء؟ فقلت: لا ... ما في يد الينبوع حبسُ الماء

خُلِقَ الرّبيع مُصَوِّراً في كفّهِ ... قَلَمُ الأديب وريشة الوشاء

ما دغدغ الأغصانَ أو لَمَسَ الرُّبى ... إلا ضحكنَ تَضاحكَ العذراء

وَرَفَلْنَ في أفوافِ وَشْىِ بَنانِهِ ... متبرّجاتٍ أو ذواتِ حياء

فسلوه: هل يستطيعُ إبداعَ الأسى ... فعلَ الشّتاء الواجم البَكّاء؟

والزهر، هل يستطيع في أَلَق الصِّبا ... ضَنُّا بنفحٍ عاطرٍ وذكاء؟

والشمس هل تستطيع في رَاْدِ الضُّحى ... أَلاّ تجودَ بباهر الأضواء؟

لكنْ هَزَارُ الرّوض ليس يهيجه ... للشّدْو صُمت دُجُنَّةٍ نكراءِ

ما حيلةُ الشّادي الرفيقِ غناؤه ... بمسامع تَلْتَذ بالضّوضاء؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>