للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بلوغ القمة؛ إنه لا ينظر أليها دائماً لأنه منهمك في الخطوة التي سيخطوها. . . أما القمة فإن بعدها سحيق. . . يخيفه ويشل قواه إذا حدق فيه. . فليمض رويداً. . وعسى بالعامل الدائب أن يصل إلى مبتغاه.

أن تدوين تاريخ لأمة من الأمم منذ أيامها الخاليات إلى أيامها الحاضرات لعمل صعب يخافه الناس. . . لأنه يبدو من أعمال الجبابرة الذين سما مقامهم وعظمت قدرتهم. ولكنك إذا قسمته إلى عصور وبحثت في كل عصر فإذا فرغت منه انتقلت إلى آخر غيره، لم تلبث أن تجد يوماً عملك الضخم بين يديك فتقف متعجباً دهشاً. ثم يثبت القلب بعد التجاريب، وتدب الحماسة في النفس، ويستولي عليها الاطمئنان؛ فإن الكاتب الذي ألف كذا وكذا من الكتب لا يصعب عليه إتمام كتاب بدأه. إنه يجسر كما جسر (مارتان دوكارد) و (دوهامل) و (جول رومان) و (لا كروتيل) على وضع عدد عظيم مما لا أستطيع معه صبراً. . .).

وقال أيضا: (إن الذي يتوق إلى الخلود ويود إخراج آيات فنية رائعة لجدير به ألا يدع هواه يسيطر على نفسه).

يقول الطفيليون لك: أين أنت؟ إننا لا نراك! تعال غداً لنلهو أو لنصيب طعاما معا. . .! فقل لهم ولا تخش شيئاً لست بحاجة إلى لهوكم وغدائكم. . . فدعوني وحيداً. . .

وكان (غوته) لا يجالس أحداً إذا انغمس في الكتابة أو النظم. . . فإذا جاء إليه رجل على الرغم من خادمه العجوز أرسل يديه إلى ظهره ولاذ بالصمت وتكلم بحاجبيه وعينيه، فيمل الزائر منه. . . ويدفعه هذا الصمت القاتل إلى الهرب. أما رسائله فكان ينتزع منها ما فيه فائدة وعلم، ويرمي بالتي يطلب أصحابها منه شيئاً إلى النار ويقول: (ويحكم يا شباب هذا العصر، إنكم لا تعرفون للوقت ثمناً. . .).

يقول نفر من الناس: هذا غرور بالنفس واحتقار للزائرين. فكم رجال عظماء كانوا يجيبون على الرسائل! وكم طفيليين هم جديرون بالرحمة والعطف. ويغالي هذا النفر. . . فيصم غوته بأنه رجل غير إنساني. ولكني أسألهم: هل يستطيع رجل غير إنساني أن يبدع لنا (فوست) الخالدة أو يخلق (وليم مستر) الرائعة؟ إن من يهمل أمره. . . يأكله الناس. . فيمضي دون أن يترك لنا أثراً نفيد منه. . . والرجل الذي يحب العمل، ويجد فيه لذة

<<  <  ج:
ص:  >  >>