للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأدب التقليدي الذي كان هو زعيم الثورة عليه. . . ولا ندري لم لم يعِر المؤرخون هذه الرجعة من يوريبيدز اهتماماً، فلم يعللوها ولم يعرضوا لبحث أسبابها. . . على أن مما لا ريب فيه أن أكبر أسباب هذا التحول هو البلاط المقدوني نفسه والبيئة المقدونية التي كان الشاعر يعيش فيها. . . فأحلام رجال البلاط بالرغم من الأفراد الممتازين الذين جذبهم الملك إليه كانت أحلاماً بدائية مما يزدهيها أدب الملاحم والأساطير ولا يروقها الأدب التحليلي الذي ابتكره يوريبيدز ونظم فيه أروع آثاره. . . أما البيئة فقد ترددت أصداؤها في الباخوسية بهذه القطع الخالدة التي صور فيه الشاعر كثيراً من مناظر الطبيعة في مقدونيا تصويراً حياً رائعاً لا يكاد يدانيه شيء في جميع ما نظم

والعجب أن تكون الباخوسية مع ذاك أروع درامات يوريبيدز بالرغم من أنها نكسة في مذهبه، وربما كان العنصر الإلهي الذي امتازت به هو الذي جعل لها هذه المرتبة بين دراماته. . وهو العنصر نفسه الذي ارتفع بروائع الأدب الأخرى وأكسبها الخلود مثل كوميدية دانتي وفردوس ملتون ورسالة الغفران لأبي العلاء وفاوست لجيته

والباخوسية تفيض بروح لاذعة من السخرية، وفيها مناظر تضحيكية مرة تقف بالإنسان ليتساءل: ترى هل بين هذه المناظر وما جاء مثلها في درامة إفجنيا في أو ليس التي لم يكملها يوريبيدز، صلة؟! هل من الحق أن المناظر التضحيكية التي تفيض بها إفجنيا ليست من صنع يوريبيدز؟ وهل الفن الذي نشهده في إفجنيا هذه هو فن غريب عن يوريبيدز لأنه لم يرد في دراماته أيضاً؟ فلم إذن حشد يوريبيدز هذه المناظر التضحيكية في الباخوسية التي نظمها في مقدونيا كما نظم أختها إفجنيا هناك؟!

وهذه أسئلة ترغم الإنسان على إعادة النظر في كل ما قيل عن فن يوريبيدز!! لقد رأينا كيف تأثر سوفوكليس الشيخ بيوريبيدز الفتى في أخريات حياته، أفلا يكون يوريبيدز هو الآخر قد تأثر بعدوه أرستوفان؟

يقدم إله الخمر باخوس - أوديونيزوس - متنكراً في رهط من نسائه السكارى المتوحشات إلى طيبة فيذوده ملكها بنثيوس عن القصر الملكي، ويغلو هو ونساء الحاشية الملكية في انتهاره والإزراء به، والتهكم عليه. ثم يأمر الملك بتكبيله بالقيود والأصفاد ثم بإلقائه في غيابة السجن ذليلاً محسوراً. . . وهنا تتجلى المقدرة الإلهية العجيبة، فإن ديونيزوس الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>