للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كنت أغالط نفسي، وهذه المغالطة - على ما أظن - مظهر من مظاهر كبرياء الفنان ومن حبه الكبير لنفسه ولفنه!

هذا عن جمهور المسرح، وموقفه من فن التمثيل كموقف جمهور القراء من الأدب. وجمهور القراء واحد من ثلاثة عناصر رئيسية يقوم عليها عالم الأدب في كل زمان ومكان.

أما الكاتب المنشئ فموقفه من محنة الأدب في جمهور قرائه أنه لا يجيد العمل على تخفيف هذه المحنة بما يمتلكه من الوسائل.

إذا أحس الكاتب في مصر بأنه يجيد الكتابة في أسلوب طلي وبيان رائع، وإن النفس يطول به إلى تسويد الصفحات المتوالية فقد نصب نفسه أديباً لا يشق له غبار، وينسى الأديب البطل المغوار - أو هو يتناسى - أن العبرة في الإنتاج الصالح. ليست بالكمية، وإنما بالجودة. وجودة الأدب أن يكون نباضاً بالحياة مما يشغل أذهان الناس، ويدخل على قلوبهم ويحرك رواكدهم، وينفخ فيهم نفساً من الحياة الدافقة التي ينطوي عليها.

وإذا صح هذا فإنه يصح أيضاً - وهو الأمر الذي ترقى إليه الظنون - أن ننفي عن الأديب المصري تهمة النعاس والكسل، لأنه يعمل ويعمل كثيراً بدليل ما يطالعنا به كل يوم من المؤلفات والتراجم في مختلف نواحي الأدب، وهذا جل ما أفدناه من أخذنا بأسباب تطورنا الأخير.

إلا إن هذا العمل الكبير يعوزه التوجيه الصائب والاستشعار الكامل بمهمة الأدب، ولهذا فإنه ينصب في غير غاية مقصودة ألهم إلا غاية الكتابة والتحبير فحسب.

وتوجيه الأدب أمر لا يتم بمجرد الطلب والتمني. واستشعار مهمة الأديب قد لا تحول كاتباً عن طريق اختطه لنفسه ولا تخرجه عن أسلوبه المختار ما لم تعاونها ظروف خاصة أبينها نصيب المجتمع الذي يعيش فيه الأديب من يقظة الروح المعنوي، وتفتح الذهنية العامة على الآفاق النائية، وقدرة البصيرة على تمييز الأشياء المختلطة ثم اختيار ما تريده منها؛ ثم قسط هذا المجتمع من صدق العاطفة ومن الصراحة ومن الإخلاص.

ولا أريد أن أحدد نصيب مجتمعنا وقسطه مما ذهبت إليه الآن. وحسبي أن أقول إن ما نراه من انحراف أدباء مصر - ما عدا القليل مهم - عن معالجة الأمور الهامة التي يخفق بها

<<  <  ج:
ص:  >  >>