للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن الأمم كالأفراد يتألف نجاحها من عاملين، عامل الوراثة وعامل البيئة، ومن عوامل البيئة العوامل الجغرافية التي ذكرنا مثلاً منها، ولعوامل البيئة هذه أثر لا يناهض في تقدم الإنسان أو تأخره، وهي على الأقل تضع حداً جازماً لتقدمه لا يمكنه تجاوزه. والحضارات أنتجت إنسانية نادرة نشأت من الأرض في بقاع متفرقة، كانت كلها نتيجة انفعال الإنسان لبيئته وتفاعله معها وتغيير نفسه وحاله وفقاً لها، وعلى هذا لا يمكن مقارنة مدنية ولا مقدرة شعب بشعب الا إذا قارنا بيئتيهما وهذا جد عسير، ودون هذا لا تمكن إقامة الدعوى على أن قوماً غير أهل لمدنية لأنهم وهم في بيئة خاصة خابوا فيما حاولوه. إن الماياس واليوكاتان قبيلان من الناس كبيران كانت لهما مدنيتان زاهرتان في أمريكا الوسطى قبل الفتح الكولومبسي بقرون فلو أنك قرنتهما بالإغريق فربما خرجت بأنهما دون هؤلاء عنصراُ، لأنهما لم يأتيا بمثل ما أتى الإغريق. ولكن إذا علمت أن هذين القبيلين كانا يعملان في عسر من الطبيعة شاق، فقد حرمتهما الدواب وحرمتهما الحديد، فلم يعرفا لهذه رسماً ولا لهذا اسماً، وامتحنت بعد ذلك ما خلفا لوقعا من نفسك موقعاً قد يناهض موقع الإغريق أو يعلوه.

أحمد زكي

<<  <  ج:
ص:  >  >>