للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكأن عبد الملك أعجبته هذه الأبيات فسرى عنه وقال:

ردّدها عليّ. فرددها الشعبي عليه حتى حفظها

نال هذا التحدّي من الأخطل وشعر بالصغار والضعة، فمسح بيده على جبينه المنديّ وقال في غمغمة الضجر: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فمال عبد الملك على أحد جانبيه قائلاً: هذا الشعبي فقيه العراق. فزَم الأخطل بأنفه وأرسل نفساً عميقاً وقال: أمير المؤمنين - حفظه الله - إنما سألني عن أشعر أهل زمانه، ولو قد سألني عن أشعر أهل الجاهلية لكنت حريّاً أن أقول كما قلت

وهمّ الشعبي أن يتكلم فقاطعه عبد الملك بالسؤال عن حاله - وقد شغل بالحوار عن ذلك - فقال: إني بخير يا أمير المؤمنين

ومضى يتأنق في صوغ المعاذير عما كان من خلافه على الحجاج وخروجه مع أبن الأشعث

وكان عبد الملك نبيلاً حقاً فأبتدر قائلاً: مَه يا شعبي فإنا لا نحتاج إلى هذا المنطق، ولست تراه منا في قول ولا فعل حتى نفترق! وأراد أن يزيد في طمأنينته فغير وجهة الحديث قائلاً: ما تقول في النابغة؟ فقال الشعبي: إن عمر بن الخطاب قد حكم له بالسبق في غير موطن على الشعراء. وذلك أنه خرج يوماً - وببابه وفد غطفان - فقال: يا معشر غطفان، أي شعرائكم الذي يقول:

حلفت فلم اترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب

قالوا: النابغة. قال: فأيكم الذي يقول:

فأنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

قالوا: النابغة. قال: فأيكم الذي يقول:

إلى ابنُ مَحرِّق أعملت رحلي ... وراحلتي وقد هَدِت العيون

أتيتك عارياً، خَلَقٌ ثيابي ... على خوف تّظَنُّ بيَ الظنون

فألفيت الأمانةَ لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون

قالوا: النابغة قال هذا أشعر شعرائكم

ثم أقبل عبد الملك على الأخطل فقال: أتحب أن لك قياضاً بشعرك شعر أحد من العرب، أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>