للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تثنيه مقاومتها إياه عن الوصول إلى ما يريده من فرض سلطانه عليها، والأنثى في هذا الصراع العنيف تبذل أقصى قوتها لتحول بين الذكر وبين التسلط عليها، لا لأنها تكره أن يتسلط عليها، ولكن لأنها لا ترضى أن تذل لضعيف قد يعجز عن حمايتها وحماية نسلها إذا اعتدى عليها معتد، هذا إذا كانا من الحيوان الذي يأتلف ذكره بأنثاه، أما إذا لم يكونا من هذا الحيوان فهي تكره أن تستسلم للضعيف خشية أن ينتقل ضعفه إلى نسلها الذي تحب أن يكون قوياً غير بما ركب في نفسها من غريزة حفظ النوع سليماً صالحاً.

أما النوع الآخر من الصراع وهو الذي يشبه اللعب والمداعبة فهو أقرب أنواع اللعب والمداعبة إلى المصارعة الإنسانية المصطنعة التي يقيم الناس لها الملاعب في هذا العصر والتي يكتفي فيها الغالب في التدليل على قوته بإظهار تمكنه من تهشيم خصمه دون أن يهشمه وهذا الأسلوب تصطنعه الحيوانات الرقيقة، والحيوانات المستأنسة. ومهما خلا هذا الأسلوب من التحطيم والتهشيم والتجريح، فإنه لا يخلو من معانيها، وإن فيه ما يدل دلالة تامة على احترام القوة والاعتراف بلزوم الغلبة والقهر يقيم عليهما الذكر صلته بأنثاه.

فإذا أضفنا إلى هذا ما نراه من تجميل الطبيعة للذكر دون الأنثى: كالديك ازدان بالعرف دون الدجاجة، والأسد تحلى بالمعرفة دون اللبؤة، والكبش ازدهى بالقرنين دون النعجة، والطاووس تبرج بذيله الملون الطويل دون (الطاووسة). . . إذا أضفنا هذا إلى ما تقدم رأينا أن الطبيعة توجه الذكر إلى (مكايدة الأنثى): قهراً بالقوة، أو اعتزازاً بالجمال، أو قهراً واعتزازاً بالقوة والجمال معاً. ومن هذا يمكن أن ندرك أن الطبيعة قد وضعت ناموساً تقوم عليه الصلة بين الذكر والأنثى، وأن هذا الناموس يستلزم أول ما يستلزم أن يذل الذكر أنثاه، وأن يذكرها دائماً بأنه أقوى منها، أو أنه أقوى وأجمل منها.

والطبيعة توفر في هذه السوق التي يتداول الذكر والأنثى فيها نواحي القوة والضعف، ونواحي الزينة والعطل وبقية تلك الزوائد والنواقص فيهما شرطاً لا بد أن يتوفر في هذه السوق: وهو أن تقتنع الأنثى مؤمنة صادقة مجبرة بفضل الذكر عليها فيما يمتاز به، وإلا فالصلة بينهما زائفة، وهو آخذ منها ما يرضيه ويقنعه، إذ لا يعطيها ما يرضيها ويقنعها كما يحدث للحيوانات المسجونة التي تنسل نسلاً ضعيفاً

اتفقنا في هذا. فلنعرج إذن على الحب عند البشر، ولتكن القبائل التي تعيش على الفطرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>