للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زمانها، وهو حوالي مقتل (لي ستاك) حاكم السودان، فإن كان في الرواية توفيق مقصود فليست فيها مبالغة ولا شذوذ عن المعقول

على أن القارئ لا يستفيد هذه الفائدة وحدها من قراءة الرواية لأنه يعرف منها أشياء شتى عن أساليب الإنجليز في استعمارهم لأمثال تلك الأرجاء، وسياستهم لأمثال تلك الشعوب، واضطلاعهم بتصريف الأزمات وهم بعيدون عن الرؤساء كلما طرأ من الحوازب ما يدعو إلى تصريف سريع

فالحاكم (بريدج) يعرف العربية معرفة جيدة، وهو ومساعدوه يقرءون تاريخ النوبة وتاريخ الإسلام وسيرة النبي عليه السلام ومذاهب العلماء في الظواهر النفسية والنقائض الاجتماعية، ويتتبعون أخبار الاستعمار في الدول الأخرى فيعتبرون بها أو يقيسون عليها ويأخذون بصوابها ويجتنبون أخطاءها

فإذا شغلوا الناس بالألعاب والمسابقات في المواسم الوطنية أو المواسم الإنجليزية فلعلة يصنعون ذلك لا لمجرد اللهو وتزجية الفراغ. أو كما جاء على لسان واحد منهم وهو يتكلم عن الحاكم: (لقد تعلم مما قرأ عن مجرى الأمور في ميلانيزيا وغيرها من جزائر المحيط الهادي، فإن المبشرين هنالك قد غيروا من عقائد أبناء البلاد، فأعرض هؤلاء عن العراك فيما بينهم وزهدوا في الرقص وليالي السرور، وضعفت في نفوسهم حمية الحياة وشهوة البقاء. إنهم لا يعيشون أو لا يرسلون شعلة الحياة إلى ما بعدهم من الأجيال فهم على وشك الانقراض. وهكذا يحدث هنا فيوشك أن ينقرض القوم أو هم على الأكثر متماسكون لا ينمون مع الأيام. لقد منعنا العراة أن يقتتلوا، ومنعنا العرب أن يغيروا على العراة، فشق على هؤلاء وهؤلاء أن يشغلوا أنفسهم وأن يفثأوا ما في طبائعهم من شوق إلى الصيد والنضال، وفارقتهم حماسة العيش. فهذا الذي جعل الحاكم بريدج مهموماً بإيقاظ تلك الطبائع وتوجيهها بعد تهذيبها إلى حب الرياضة والمغالبة في هذا المضمار.

وجاء على لسان أحدهم: (من هم المسلمون حق الإسلام في زماننا هذا؟! إنهم لنحن نحن طلاب الحقائق العلمية. إنهم لنحن نحن أصحاب الإيمان بالتوحيد الشامل لأبعد الكواكب وأصغر الذرات، وعلى ديننا هذا يدور العمل وتأتي الأعاجيب من اليابان إلى فلباريزو، ومن رأس الرجاء إلى سبتزبرجن، إلى ماوراء هذه وتلك من أرجاء القطبين. نحن نطلب

<<  <  ج:
ص:  >  >>