للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والهزل، والعفاف والمجون

فكيف يجوز أن يقف الأدب عند غاية واحدة هي وصف الجانب الرزين من المجتمع؟

إن ذلك لا يجوز إلا في ذهن رجل يجهل أن غاية الأدب هي (نقد الحياة)

أتحبون أن تعرفوا من أين وصل الخطأ إلى الأستاذ أحمد أمين؟ وصل إليه الخطأ من التلمذة للأستاذ الكبير الدكتور طه حسين، فقد حكم الدكتور طه بأن العصر العباسي عصر شك ومجون، لأن فيه عصابة مشهورة بالزيغ والفسق، وهي جماعة أبي نواس ومطيع بن إياس، مع أن العصر الذي عرف أمثال هذين الرجلين هو نفسه العصر الذي نبغ فيه كبار الفقهاء والنساك والزهاد، وهو الذي بلغ فيه الفكر العربي غاية الغايات في فهم أصول الفلسفة وأصول الأخلاق

فهل خطر في بال أحمد أمين أن العصر العباسي لا يصح الحكم عليه بإيثار المعدة وإغفال الروح من أجل كلمة أو كلمات في وصف الاحتيال على الطعام والشراب؟

تذكّر يا أستاذ أمين أنك أستاذ مسئول، وتذكّر أنك بالفعل رجل محترم، ولأغلاطك تأثير سيئ في تلاميذك، وفيمن يثقون بك فيأخذون عنك بلا مراجعة ولا تدقيق.

تذكر، يا أستاذ، أن للدنيا آفاقاً أوسع مما تظن، وأن من واجب الأديب أن يتعقب بالوصف تلك الآفاق.

تذكّر أننا قد نطالبك بوصف زمانك، وفيه (طفيليون) يتقربون إليك بتجريح الرجل الذي يواجهك بكلمة الحق، وأنت تعرف ما أعني ومن أعني.

تذكّر، أن من العيب أن تقول إنك نظرت في الأدب العربي فوجدته (ينحدر مع التاريخ شيئاً فشيئاً ليكون أدب معدة)، وأنت تعرف بلا ريب أن من ذكرتهم من الأدباء لم يكونوا يصورون إلا بعض الجوانب من الحياة الاجتماعية.

وهل غاب عنك أن العصر الذي جعلته يعيش من أجل المعدة هو نفسه العصر الذي نشأ فيه أبو طالب المكي وأبو حامد الغزالي وجار الله الزمخشري، وهو نفسه العصر الذي نبغ فيه ابن مسكويه والحلاج والجيلي إخوان الصفاء؟

أنت رجل فاضل فيما أعتقد وفيما يعتقد عارفوك، فأنت أستاذ على جانب عظيم من أدب النفس، وقد أنصفتُك مرات كثيرة في مؤلفاتي، فمن جنايتك على نفسك أن ترتجل في

<<  <  ج:
ص:  >  >>