للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دراسات إسلامية]

كبار الزنادقة في الإسلام

للأستاذ عبد الرحمن بدوي

رجحنا في العدد الماضي من الرسالة أن تكون الزندقة التي عناها المهدي والهادي في هذه الاضطهادات العنيفة التي قاما بها بين سنة ١٦٣ وسنة ١٧٠ هي المانوية، وأن يكون هؤلاء الذين اتهموا بالزندقة ممن كانوا يقولون بأن للعالم أصلين قديمين هما النور والظلمة ويحرمون ذبح الحيوان واللحم إلى آخر هذه المبادئ التي أعلنها ماني مؤسس مذهب المانوية.

ولكن هذا لم يمنعنا أن نقول كذلك أن معنى الزندقة قد اتسع وامتد حتى أصبح يشمل أشياء أخرى لم يكن للمانوية بها صلة ولا سبب. ولم يكن هذا الاتساع وليد السنوات التالية والقرنين الثالث والرابع فحسب، بل بدأ من قبل، في هذه الفترة عينها التي مضت فيها السنوات الأخيرة من خلافة المهدي وسنوات خلافة الهادي كلها.

ولا سبيل لمعرفة نواحي هذا الاتساع، وكيف تشعب وتنوع، فكانت فيه فروق ودقائق، إلا بدراسة كبار الزنادقة والتحدث عنهم.

والزنادقة طوائف وأنواع، والدوافع التي حدت بهم إلى الزندقة كثيرة متعددة. أما طوائفهم فنستطيع أن نحصرها في ثلاث: الأولى طائفة هؤلاء الذين يسميهم صاحب (الفهرست) رؤساء المنانية في الإسلام؛ والثانية طائفة المتكلمين؛ والثالثة طائفة الأدباء من كتاب وشعراء. والدوافع تكاد ترجع كلها إلى ثلاثة أيضاً: فمن هؤلاء الزنادقة من كانوا يؤمنون بالزندقة (ونقصد بها هنا المانوية) إيماناً صحيحاً صادراً عن رغبة دينية صادقة، فكانوا مخلصين في اتخاذها مذهباً، حريصين عليها كأشد ما يكون الحرص

ومنهم من وجد في الزندقة (بمعنى المانوية أيضاً) تراثاً قومياً خلفه الآباء فيجب الحرص عليه وتعهده؛ لا لصلاحيته في ذاته، ولا لأنه يستحق الإيمان به كما هو، وإنما لأن في هذا الحرص وذلك التعهد نوعاً من الإرضاء للنعرة القومية، والإشباع للنزعة الشعوبية. وفيها أيضاً موضع للمفاخرة ومجال لكي يقارنوا به تراث العرب ودين العرب بما خلفه لهم الآباء من تراث ودين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>