للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في حياتهم الداخلية والخارجية وقامت على الحلف الذي لا يفنى أمة في أمة، ولا يخضع شعباً، وإنما يمكن الأمم من أن تتعاون على أساس ما يكون بين الأنداد من المساواة. فإذا قال صاحب العقل الحديث مقالته هذه ضاق به صاحب العقل القديم أشد الضيق، لأن عقله لم يتطور بعد، ولم يستطيع أن يكون من أهل العصر الذي يعيش فيه، وإنما هو محتفظ بكل مشخصات القرون الوسطى، وهيهات لمشخصات القرون الوسطى أن تسيغ ما يقع في القرن العشرين. . .)

يظهر لي من كلماتكم هذه أنكم بعد أن تهربتم من مناقشة مسألة الوحدة العربية مناقشة مباشرة - حين دُعيتم إليها - أردتم أن تعودوا إليها عن طريق التعريض والتلويح، كما وددتم أن تستهووا أذهان قرائكم عن طريق اتهام معارضيكم بالتمسك بـ (مشخصات القرون الوسطى)، وإلباس رأيكم حلة قشيبة من (مقتضيات العقل العربي الحديث).

فاسمحوا لي إذن أن أتبعكم في هذه الطرق الملتوية، وأن أزن ملاحظاتكم بميزان (العقل العربي الحديث) الذي تشيرون إليه.

لا أدري إذا كان الانصراف عن مناقشة المسائل مناقشة مباشرة، والالتجاء إلى طرق (التعريض والتشويش) في أمرها مما يفيد - في عرفكم - في مقتضيات العقل الحديث. غير أنني أعتقد أنكم تسلمون معي - على كل حال - بأن العقل العربي الحديث يجب أن يكون على غرار العقل الأوربي الحديث، ولا تنكرون - بالطبع - أن (العقل الأوربي الحديث) يتطلب السير على مناحي الأبحاث العلمية، على أساس استنطاق الوقائع والحادثات واستقرائها متجرداً عن تأثيرات الميول النفسانية والآراء القبلانية. . .

فلننعم النظر في الملاحظات التي نقلتها آنفاً عن مقالكم لنرى مبلغ ملاءمتها لمقتضيات (العقل العربي الحديث) الذي تدعون إليه:

أولاً، إنكم تبحثون في كلامكم هذا عن الوحدة العربية والوحدة الإسلامية كأنهما مسألة واحدة، في حين أن إحداهما تختلف عن الأخرى اختلافاً كلياً. فإن فكرة (الوحدة العربية) ترمي إلى توحيد الشعوب التي تتكلم بلغة واحدة، في حين أن فكرة (الوحدة الإسلامية) ترمى إلى توحيد الأمم التي تتكلم بلغات مختلفة، بالرغم من تدينها بدين واحد؛ فالبون بينهما شاسع جداً، فإن الدعوة إلى (الوحدة العربية) لا تتضمن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية

<<  <  ج:
ص:  >  >>