للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

إلى خراسان

للأستاذ الرحالة محمد ثابت

من رحلة قام بها الأستاذ عام ١٩٣٣ إلى تركية والعراق

وإيران وأفغانستان

اعتزمت القيام من (طهران) إلى (خراسان) حيث مقر الإمام الرضى أحد أئمة الشيعة، وضريحه في (مشهد) ثانية مدن فارس، وأولى البلاد المقدسة. . تعد عن طهران مسافة نائية هي فوق مائة وستين فرسخا. والفرسخ - وهو وحده القياس عندهم - نحو ستة كيلومترات، فالمسافة كلها نحو ألف كيلومتر أو تزيد. كان القوم يقطعونها على متون الإبل والبغال والحمير قبيل الحرب الكبرى، فيما بين أربعين يوما وستين، وهي اليوم بالسيارات بين يومين وثلاثة. أخذت مكانا أماميا في سيارة كبيرة من ذوات العجل المزدوج برفقة ركب من الحجاج يناهز الخمسة والعشرين بين رجال ونساء، وشيوخ وشبان، وبدأنا السير ليلاً، وكلهم إيمان صادق لا يبتغون من وراء متاعبهم تلك ونصبهم هذا إلا زيارة قبر الإمام الرضى ومعهم زادهم، أما أنا فكنت أعتمد على المحاط وما فيها من وسائل ساذجة للنوم والطعام، آونة وأخرى كان يصيح القوم قائلين: (لاهم سل آلي مهمد آل مهماد) وأخذنا نمر بالمحاط التي يسميها القوم مسافر خانات أو (كرفان سراي) وهناك نجد أمكنة تحكي الفنادق بها حجرات فقيرة الأثاث، وغذاء بسيط كنا نتزود منه ونأخذ قسطنا من الراحة، ثم نستأنف السير ولم تكن تقوى القوم لتنسيهم ملاذهم، فقد كان الفريق الأكبر منهم يحمل الغلايين لتدخين الأفيون فينتحون جانبا من المكان ويمر الغليون عليهم جميعا , وكان في جواري إلى جانب السائق أحد علماء كربلاء بعمامته السوداء الضخمة، ولحيته المرسلة، وسحنته الناحلة، وكان يتيه على الآخرين بعلمه وبأنه من سلالة هاشمية ومن نسل العلم والعلماء، ولأولئك على الناس حق العطاء ويسمونه هناك (حق الخمس)، يقصدون الأغنياء كلما أعوزهم المال ليأخذوا منهم حقهم هذا لأنهم من السادة سلالة الرسول.

جد السائق في السير على ضوء القمر وقبس مصباحه، فخانه نظره فما نسعر إلا والسيارة

<<  <  ج:
ص:  >  >>