للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في وجه السلطان نفسه، فكيف به إذا وقف منه هو؟ وهذا هو المعنى الذي كان لا يفتأ ماليت وأعوانه يوحونه إلى الخديو في تلك الأزمة العصيبة.

ولو أن الوزارة أصرت يومئذ على موقف العناد والصرامة لحملت قسطاً كبيراً من المسؤولية عن تعقد الأمور وتحرجها، ولكنها ما لبثت أن خطت خطوة حميدة حقاً تنطوي على كثير من الكياسة وبعد النظر، فإنها تقدمت إلى الخديو تقترح أن يخفف هو الحكم من تلقاء نفسه دون الرجوع إلى تركيا أو غيرها، والوزارة ترضى في هذه المسالة أن ينفى المحكوم عليهم من مصر إلى أي جهة من الجهات دون أن تمس رتبهم أو ألقابهم وإنما تستبعد أسماؤهم من سجلات الجيش المصري.

وهذا المقترح لا ريب دليل صادق على حسن نية الوزارة ورغبتها في أن تنتهي تلك المسألة وتنجو البلاد من لؤم الأعداء، وهي فيما تقدمت به متساهلة أكبر التساهل، فما دام المجلس العسكري قد حكم بإدانة هؤلاء فإبعادهم من البلاد يقتضي حتماً إبعادهم من الجيش. . . ولكن الخديو وا أسفاه قد تنمر اليوم للوزارة وتنكر، فرفض أن يجيبها إلى هذا المقترح.

وكان ماليت من ورائه لا ينفك يوسوس له ويزين له فعل السوء؛ وكان جرانفل قد أنكر من ماليت ما أشار به على الخديو من دعوة تركيا إلى التدخل، فكتب إليه أن يسير على وفاق مع ممثل فرنسا، وفي هذا تلميح إلى ما كان في سياسته من خطأ، وكان ممثل فرنسا يسير بوحي من فرسنيه، ولكن ماليت قد عز عليه أن يتراجع بعد هذه الخطوات فينقض ما نسجه بيده من غزل، فانظر إليه كيف يخلع النقاب على صورة قل أن يوجد مثيل لها في سجل السياسة العام فيكتب إلى جرانفل قائلا: (اسمحوا لي أن ألاحظ أنه عند النظر في الخطة التي يجب أن يسلكها الخديو بازاء حكم المجلس العسكري يجب أن نلقي نظرة عامة على الحالة كلها، وأن نذكر أن الوزارة الحاضرة تسعى لتضييق نطاق الحماية الإنجليزية الفرنسية، وأن نفوذنا أخذ كل يوم في النقصان وقد يستحيل علينا أن نستعيد سلطتنا العليا حتى تخضد شوكة الحكم العسكري الذي يرزح القطر تحته الآن. وفي اعتقادي انه لابد من حدوث ارتباكات شديدة قبل الوصول إلى حل مرض للمسألة المصرية، وأن الحكمة تقضي باستعجال هذه الارتباكات لا بتأجيلها).

وأي كلام يمكن أن نعلق به على هذا الذي يقول ماليت وعلى الأخص تلك الحكمة التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>