للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قلب الحركة الوطنية في ضجيج الجهاد وسكرات الاستشهاد

وانحاز فريق كبير من النواب إلى جانب الخديو، وإن كانوا ليتظاهرون أنهم يظاهرون الوزارة. . . كتب في ذلك ماليت إلى حكومته في اليوم الثالث عشر من شهر مايو يصف الحال في مصر أو على الأصح يصف مبلغ ما أصابته من نجاح دسائسه الإجرامية، قال: يظهر أن رئيس المجلس والنواب يميلون إلى جانب الخديو، ولقد سألوا سموه أن يأخذ بالعفو فيصالح وزراءه، ولكن الخديو رفض ذلك. . . ويصر سموه على رأيه، فلن يصالح وزارة تحدته صراحة، وتهددته هو وأسرته، واعتدت على القانون بدعوة المجلس إلى الانعقاد دون الرجوع اليه، وفي القاهرة قدر غير قليل من القلق، وكثير من الناس يغادرونها. . .

إزاء ذلك انخلع عن رئيس الوزارة عزمه، وتزايل إصراره شيئاً فشيئاً، حتى رأت البلاد البارودي يرفع إلى الخديو استقالته فيرتكب بذلك إثماً نعيبه عليه أشد العيب. فقد كان عليه أن يستطلع رأي النواب صراحة في جلسة يعقدونها. فإذا ناصروه كان عليه أن يبقى في مكانه حتى يقال، فيحظى بشرف الإقالة، أو ينتصر، فيكون له فخر الانتصار. . .

لقد رفض النواب أن يجتمعوا في مجلسهم - أي أنهم رفضوا أن يشايعوا الوزارة في تحديها الخديو، واجتمعوا في منزل رئيسهم وهذه حقائق نسلم بها، ولكنها أمور شكلية لا تمس جوهر الموضوع. فالأمر الذي كان يهم الوزارة، هو معرفة رأي ممثلي البلاد، وسواء لديها اجتمعوا في مجلسهم أو في أي مكان.

فليس ثمة من فرق بين الاجتماعين، إلا أن هذا رسمي وذاك غير رسمي؛ ولم يكن المجال يومئذ مجال شكليات، وقد جرى الخديو في مضماره الذي اختاره رغم إرادة البلاد. وهل كان نواب الشعب الفرنسي الذين التقوا في ملعب التنس في مستهل ثورتهم الكبرى لا يعبرون عن رأي الشعب لأنهم لم يجتمعوا في قاعة مجلسهم؟

الحق أن البارودي قد هدم جميعاً باستقالته هذه، ولو أنه نال شرف الإقالة، لكان منطقه متسقاً، ولأضاف بذلك إلى نفسه وإلى وزارته معنى من معاني البطولة وحمل الخديو والموحين إليه وزراً جديداً يضاف إلى سابق أوزارهم!

وعجز الخديو أن يقيم في الحكم وزارة، فقد أشفق منها الرجال يومئذ، وأشفق منها مصطفى

<<  <  ج:
ص:  >  >>