للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان لأهله حينذاك مسبة وعاراً.

يذكر الذاكرون أن المرحوم عبد الله باشا وهبي كان عزيزاً عليه أن يرى ابنه يوسف وهبي ممثلاً، وكان عزيزاً على أي رجل آخر أن يرى ابنه (مشخصاً) على المسرح؛ فلم يكن التشخيص في نظر الناس مهنة وضيعة للذين فقدوا كل أمل في الحياة وكل أمل في الكرامة، وكل أمل في العمل الشريف. ولم تكن الحكومة لتعترف بوجود هذه الفئة من المهرجين أو تقيم لهم وزناً

أنشئت فرقة رمسيس وسط هذه العوامل وبين هذه الآراء؛ ومع ذلك فإنها سرعان ما اكتسبت ثقة الجميع: الأمير قبل الفقير والعظيم فبل الصغير. وأصبح مسرح رمسيس محط الطبقة الممتازة في مصر وملتقى الكبراء والعظماء وذوي الرأي والخطر في البلاد؛ ولم ينفض عنها جمهور ما، ولم ينصرف عن تشجيعها إلا منذ حادت عن طريقها المرسوم وتنكبت السبيل السوي!

أما الفرقة القومية التي ترعاها الحكومة بعنايتها، وتمنحها مالاً ومسرحاً، وتجلب لها جمهوراً راقياً، ويشرف حفلاتها ملك البلاد وكبار رجال الدولة وعظماؤها. أما هذه الفرقة التي تهيأت لها كل أسباب النجاح والفلاح فإنها لم تحظ حتى الآن بما حظيت به فرقة رمسيس من مجد، ولم تخط خطوة واحدة نحو مثل المكانة التي نالتها تلك الفرقة، ولم تكتب سطراً واحداً في تاريخها تستطيع أن تفخر به أو تطمئن إليه، وحتى أصحاب الِشأن فيها يهزون رؤوسهم أسفاً وحسرة، ويقفون حيارى لا يدرون أين المفر من هذا المصير المحتوم الذي يطل عليهم من بعيد بعيونه البشعة ويقترب منهم رويداً رويداً.

وقد أردنا بكتابة هذا التاريخ الموجز، وسرد هذه الخواطر والآراء أن نضع أمام الرجال المسئولين جميع العوامل التي كانت من أسباب نهضة المسرح، وكذلك جميع العوامل التي كانت من أسباب سقوطه وانهيار بنيانه، ليكون لهم في النهاية مجموعة من الحقائق التي يسترشدون بها في تنظيم الفرقة القومية ووضع برنامج لها تسير عليه ولا تحيد عنه إلا في سبيل الكمال. والواقع أن الفرقة القومية لا تحتاج بعد ذلك الذي تهيأ لها من أسباب إلا النظام والتنظيم والخطط المرسومة التي تسير بمقتضاها وتسترشد بهديها. أما الطرق الارتجالية التي تأتي عفو الخاطر، وأما هذا العبث المحض في اختيار الروايات وإعدادها

<<  <  ج:
ص:  >  >>