للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهل يمكن القول بأن اليونان خدموا الشهامة والفتوه والرجولة كما خدمها العرب؟

هيهات! هيهات!

إنما هي وشائج من الشهوة والعصبية السياسية قضت بأن يقول الأوربيون إن وثنية اليونان كانت وثنية سماوية لتقوم لهم دولة تضايق بعض العرب والمسلمين في الشرق

وأحب أن أبين أوجه الحق في هذه القضية فأقول:

إن هيام الشعراء الأوربيين بالوثنية اليونانية له صلة وثيقة بما كان يكرثهم من مصاعب وأهوال. ذلك بأن الوثنية اليونانية تقوم على عبادة المرح والبهجة والإيناس، فأهواء الآلهة عندهم أهواء حادة من الوجهة الحسيه بحيث يمثلون ما في الطبيعة الحية ندمن غضب وبطش وجبروت؛ وأذواق الآلهة عندهم أذواق مترفة ناعمة تمثل ما في الطبيعة الحية من مرح وجذل وفتون

والشاعر الذي يعيش في رحاب الوثنية اليونانية يعيش عيش السعادة والنعيم، فهو محروس بقوات خفية في جميع الشؤون: فله عند الغضب إله ينصره هو إله الحرب، وله في أوقات السرور إله يرعاه هو إله الخمر، وله عند الصبوة إله يفتح له قلوب الملاح هو إله الحب

وهذا هو السر في أن شعراء أوربا وجدوا في الوثنية اليونانية ما لم يجدوه في الشريعة الإسلامية، مع أن الشريعة الإسلامية محملة بالطرائف من أصول الآداب والفنون

وتوضيح ذلك سهل: فلذي ينظر في الوثنية اليونانية يواجه اصطخاب الأهواء والأذواق والأحاسيس، أما الذي ينظر في الشريعة الإسلامية فيواجه بحراً هائجاً من الواجبات والتكاليف، ويشعر بأنه مسئول عن كل شي حتى خطرات القلوب

وهذه الخصيصة من خصائص الشريعة الإسلامية كان لها دخل في عدم ظفر الإسلام بغزو المشاعر في الممالك الأوربية، فالإسلام دين صارم عنيف لا ينظر للأهواء والشهوات إلا بعين الغضب والمقت، وهو ينذر المسرفين على أنفسهم بالويل والهلاك

وقد أتستطاع الإسلام أن يؤثر في المسيحية فخلق منها مذهب البروتستانت، ولكن ذلك المذهب حول المسيحية إلى ميادين عقلية لا يتذوقها الجمهور الأوربي إلا بمشقة وعنت، وما عاش ذلك المذهب إلا لأن الذين اعتنقوه كانوا أصحاء وسيعودون إلى الكثلكة يوم يغلب عليهم الضعف

<<  <  ج:
ص:  >  >>