للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولخصت حياة الشعراء متجنباً كل ما يدعو إلى الشك والارتياب ويعوزه التدليل والبرهان. وشرحت المعلقات ولم تر حاجة أن تستهلها ببحث يقرر أنها جاهلية وأنها ليست في مجموعها أو بعضها من انتحال الرواة أو اختلاق الأعراب، أو صنعة النحاة، أو تكلف القصاص، أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين. وهل يصح لكاتب يريد أن يبعث الشعر الجاهلي بعد أن حامت حوله الشكوك والأوهام أن يغفل عن ذلك؟ وهل يبعث الشعر الجاهلي بسرد حياة الشعراء وشرح معلقاتهم كما يدرسها طلاب المتوسطات

ولابد أن اروي لك نماذج من بحثه لتستدل على صدق ما أقول ولؤمن أن البحث العلمي الصحيح يمقت ذلك

يقول الدكتور البصير مقرراً وجود عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة اليشكري: (إن منابع التاريخ العربية في القرون الوسطى تذكرهما وتروي لهما. إذن فلا سبيل إلى إنكار وجودهما ولا إلى الشك في شاعريتهما) (ص ٤٨ - ٤٩). ويعتقد أن القارئ قد أقنعه هذا البرهان، وأنه لا يمكن أن يقال أكثر من ذلك في إثبات الشاعرين، فيصدر أمراً عسكرياً (بالشروع بالبحث حالاً) عن شرح معلقتيهما

مهلاً يا دكتور! إن قولك لا يطمئن إليه اشد الناس سذاجة حتى تنفي عن ذهنه ما أحيط به عمرو بن كلثوم من أساطير جعلته أقرب إلى أبطال القصص منه إلى أشخاص التاريخ. وحتى تقنعه بالنص التاريخي أو الأدلة المنطقية التي تقرب إلى عقله صحة ما وقع بين آل المنذر وبني تغلب من ناحية، وبين ملوك الفرس وأهل البادية من ناحية أخرى. وحتى تدحض شكوك الرواة في بعض المعلقة واختلافهم في الأبيات الأولى: أقائلها عمرو بن كلثوم، أم قالها عمرو بن عدي بن أخت جذيمة الأبرش. وأنت مضطر أيضاً، إذا أردت أن تفهم أشد الناس سذاجة، أن تعلل ما في قصيدته من تكرار في الأبيات والحروف، وشذوذ عن سلامة الطبع البدوي

وجدير بك وأنت تبحث في قصيدة الحارث التي آمنت بصحتها أن تقنع القارئ بأنها ارتجلت ارتجالاً، ولم يفكر فيها الشاعر تفكيراً طويلاً ويرتب أجزاءها ترتيباً دقيقاً.

تراني أيها القارئ الكريم أطيل عليك فيما يجب أن يتناوله الدكتور مهدي البصير في بحثه عن الشاعرين: عمرو والحارث ومعلقتيهما. ولكن الحق معي فإن كتابه يدعى (بعث الشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>