للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- ٢ -

الحياة العملية لابن قلاقس يشوبها العموض، فلسنا ندري على وجه اليقين كيف تعلم، ولا ماذا تعلم، ولا على يد من تخرج، وان كنا نعلم انه درس في الازهر، وربما يكون قد طالت مدة دراسته حتى صح أن ينسب ويقال له الأزهري، كما إننا نعلم أنه صحب الشيخ الحافظ أبا طاهر أحمد بن محمد السلفي وهو أحد الحفاظ الذين رحلوا في طلب الحديث، ولقي المشايخ الأعلام ودرس الفقه على مذهب الشافعي، ثم ألقى عصا التسيار بالإسكندرية، حيث قصده أهل العلم من البلاد النائية، ويقال أنه لم يكن في اخر زمانه مثله، ولقد بنى الوزير المصري وزير الظاهر العبيدي له مدرسة بالإسكندرية وكل أمرها إليه، فقام بأعبائها.

أتصل ابن قلاقس بهذا العالم وانتفع بصحبته كثيرا، وان شعره الذي مدحه به يدلنا على ما كان بينهما من أواصر المودة وقوة العلاقة، كان السلفي رجل حديث فلا بد أن يكون ابن قلاقس قد درس عليه الحديث، وكان رجل فقه ولغة وأدب فلا بد أن يكون صاحبنا قد تأثر بفقهه وأدبه، وإذا كان الشاعر يهضم دراساته كلها ثم تأبى إلا أن يظهر أثرها في شعره فكذلك كان صاحبنا؛ فانك ترى في شعره بعض اصطلاحات علمية تدلنا على دراسته وما تلقاه، وأتنصت إليه يقول:

البدر في العرض الضياء وأنت قد ... جمعت بجوهر ذاتك الاضواء

ألا يذكرك ذلك باصطلاح المتكلمين حينما يتحدثون عن العرض والجوهر والذات، ويقول:

وأنت ورثت الأكرمين علاهم ... وعالت على قوم سواك الموارث

ويقول:

ملك شاعر الحماسة يأبى ... أن يمل التسهيم والتقسيما

فهو يشير إلى الميراث والعول والتسهيم والتقسيم التي هي من الاصطلاحات الفرضيين واستعمالاتهم، ويقول:

وجدي بنحوك لا عطفا ولا بدلا ... فانظر إليه تجده الكل توكيدا

ويقول:

خفضت بها الأشعار حتى كأنها ... وإن رفعتني الآن من أحرف الجر

<<  <  ج:
ص:  >  >>