للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جناية أحمد أمين على الأدب العربي]

للدكتور زكي مبارك

- ١٥ -

كنت حدثت القراء فيما سلف أني لم أهجم على الأستاذ أحمد أمين إلا بعد أن صح عندي أنه يسئ إلى نفسه وإلى الأدب العربي إساءة خطرة تستوجب المسارعة إلى تعريفه بخطر ما يصنع عساه يثوب إلى رشده فيرجع إلى الصواب

وفي مطلع حديث اليوم أثير مشكلة تحدث بها إلى تلاميذه في كلية الآداب وكان لها صدىًّ، هو حيرة بعض الشبان الذين كانوا يثقون برجاحة العقل عند ذلك الأستاذ المفضال

وما الذي حدَّث به تلاميذه في تلك الكلية؟

حدثهم أن من رأيه ألا يدرس الأدب العربي في المدارس الثانوية ولا المدارس العالية، وأن الواجب أن يُقصَر درس الأدب العربي على المختصين في دراسة تلك اللغات (؟!)

هذا كلام نقله إلينا كثير من طلبة كلية الآداب، فهل هو صحيح؟

يجب على الأستاذ أحمد أمين أن يسارع إلى تكذيب هذا الكلام، إن كان من المفتريات، ويجب عليه أن يحدد الغرض منه إن كانت نسبته إليه صحيحة، لأنا نحب ألا يعرض مركزه لأخطار الإشاعات والأقاويل

والواقع أن الكلام المنسوب إلى الأستاذ أحمد أمين يتفق في روحه مع الآراء التي أذاعها في الأسابيع الأخيرة، فهو يقول صراحة بأن الأدب العربي في اغلب أحواله أدب له معدات لا أدب أرواح، وأنه لم يصور البلاد العربية والإسلامية، ولم يصف ما وقع فيها من أحداث اجتماعية، ولم يشهد بأن أهله أحسوا الطبيعة وتأثروا بألوان الوجود

ومن الواضح أن الرجل يحترس في مقالاته أكثر مما يحترس في محاضراته، فما قال أحمد أمين في مجلة الثقافة ليس إلا صورة مهذبة لما أذاعه في كلية الآداب

نحن إذن أمام فتنة جديدة، هي فتنة القول بأن الأدب العربي لا يصلح لتربية الأذواق في الجيل الجديد. وهذه الفتنة ليست من مخترعات أحمد أمين، فقد نجمت قرونها منذ أكثر من خمسين سنة حين أراد المستعمرون والمبشرون أن يوهموا أبناء الأمم العربية بأن الصلة بين ماضيهم وحاضرهم لم يبق لها مكان، وأن المصلحة تقضي بأن يوضع الأدب القديم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>