للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نركب الترام في الغدو والرواح. وهناك خطان أحدهما يعرف باسم (المهاجرين)، والآخر باسم (الشيخ محيي الدين). والحق أني كنت نسيت ابن العربي ووصية الشيخ التفتزاني. وساقني الفضول مرة فسألت قريبي من يكون الشيخ محيي الدين هذا. فقال: انه عالم صوفي يعرف بابن العربي، وأن له ضريحاً ومسجداً في آخر خط الترام فدعوه باسمه. وهنا تذكرت الماضي وقلت: أجل يجب أن نزوره

وبعد ظهر ذلك اليوم أقلتنا عربة أخذت ترقى بنا الجبل حتى وصلنا إلى حيث المسجد بعد أن اجتزنا حياً وسوقاً تختلف أبنيتهما جدة وقدماً، وأكثرها قديم. وكان جماعة من الفقراء يزدحمون بباب المسجد؛ فإذا تجاوزت الباب استقبلك بهو واسع تتوسطه بركة ماء كبيرة، وفي آخر البهو إلى الشمال الضريح، وهي غرفة حسنة الاتساع طفت بها فإذا على حائطها كثير من الشعر المنقوش على رخام قائم في الحائط. وحاولت أن أقرأ بعض الشعر فوجدته باللغة التركية. وقبل أن أستطيع الإلمام ببقيته تقدم إلينا الشيخ وقال: قد أزفت صلاة العصر فهلما نصلي ثم تتابعان زيارتكما بعد ذلك

ولا أذكر الآن كيف تخلصت من الشيخ ودعوته إلى الصلاة، ولكني وجدت وقتئذ أننا في موقف حرج لأني أجهل ماذا يكون شعوره لو عرف أننا مسيحيان. وأشرت إلى صاحبي أن من الخير أن نغادر المكان على أن نعو في فرصة أخرى أكثر ملائمة من هذه، فخرجنا. ولم تتح لي فرصة أخرى للعودة

كانت العربة تهبط من الجبل، ونحن نستشرف تارة الحقول المنبسطة، وأخرى دمشق بقبابها اللامعة ومآذنها العالية تتخللها الأشجار الباسقة وتكتنفها الرياض والبساتين، ونستجلي هذا المنتشر في الأفق الحاني والطبيعة الساهمة والمدينة المنبسطة. وكنت لا أزال تحت تأثير زيارة الضريح أفكر في الأندلسي الذي طاف البلاد العربية فكان في كل مكان يحله كأنه بين أهله وإخوانه يتقرب إليه الناس ويجري عليه الحكام الأرزاق فيوزعها على الفقراء والمعوزين. أليس دينه الحب كما قال في أبياته التي ذكرها.

وهذا الجمال الذي نشرف عليه ونستجليه في هذه المناظر الخلابة، أليس من صنع الله، وما دام من صنعه فهل هو قائم فيه حقاً. وهل صحيح ما قاله ابن العربي (سبحان من خلق الأشياء وهو عينها) أو ما نظمه شعراً:

<<  <  ج:
ص:  >  >>