للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٤ - (ساراكين) أصلها (صحراء ساكن) أي سكان الصحراء!

وبعد فهذه أقوال المؤرخين في هذه اللفظة المحيرة، ففيها ضعف، وفيها قوة، وكلها - في رأينا - لا تغني من الحق شيئاً!

على أنه إذا صح لنا الاختيار من هذه الأقوال، فأقوى الآراء منها القول بأنها تصحيف (شرقيين) فالكلمة إذن عربية أصيلة، أطلقها الأنباط، وهم عرب على القبائل التي تناوحهم من جهة الشرق. فسمع منهم الإغريق والرومان هذا اللفظ فأدخلوه إلى لغتهم بتلك النبرة، وقد كانت لهم مستعمرات بهذه الأرجاء كما هو معروف. وكلمة (الشرق) و (الشرقيين) لها أصل في لغتنا اليوم؛ فالمصريون يطلقون على كل من يفد من جهة الشرق (شرقيين) وأهل الحجاز يسمون أهل نجد (شروقاً) فليس بعجيب إذن أن يعيد التاريخ نفسه في القرن العشرين!

ولكن مع كل هذا التعليل، ففي النفس شيء من (ساره) في (سارا. . . كينوس) وأن هذا التركيب لابد وأن يحمل توجيهاً آخر في تحليل هذه اللفظة، وخاصة إذا أخذنا بأقوال مؤرخي الكنيسة في القرن الرابع أن (السارازين) انضموا إلى الإسماعيليين الذين كانوا يقيمون في صحراء قادش في مقاطعة فاران حيث ينهض جبل (حوريب) في شرق البحر الأحمر. وفي النفس شيء - أيضاً - من هذا إذا علمنا أن (الهاجريين) أبناء هاجر، قد اشتهروا في الأدب اللاتيني في القرون الوسطى كمرادف (للسرازين) فهل لعلماء اللغات السامية، والمبرزين في الإغريقية واللاتينية، كشيخنا العلامة الكرملي، أن يقولوا كلمتهم في هذا الشأن، فيعيدوا الحق إلى نصابه، والسيف إلى قِرابِه!

أما بعد هذا كله فإني أختتم هذا البحث بمِخرقَة قالها أحد المؤرخين الأوربيين، وذلك أن (السراكينوس) القدامى لا تزال سلائلهم موجودة لليوم ممثلة في قبيلة (السواركه) القبيلة البدوية الصغيرة التي تعيش إلى هذا اليوم على شواطئ البحر بين العريش وغزَّة

وحسبنا أن نقول إزاء هذا التحقيق أن هذه بلية من بلايا البحث توقعها المجانسة في اللفظ؛ وكم خدعت المجانسة مستشرقين في الغرب وأئمة في الإسلام. فالسواركه هؤلاء وجدوا في عصر متأخر، يرجعون في نسبهم إلى سيدنا عكاشة الصحابي المشهور وفوق كل ذي علم عليم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>