للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مظاهر شنيعة للغفلة والإهمال والتخبط كتاب (عيون الأخبار) لابن قتيبة، مما يبعد بهذه النشرة عن الروح العلمية بعداً شاسعاً، ويضع الذين قاموا عليها موضعاً غير جدير بهم ولا بمكانهم من تلك الدار.

وأنا أكتفي من هذه المظاهر المتناثرة في أثناء الكتاب كله بثلاثة مواضع لا عذر فيها لمعتذر، ولا محل فيهل لجدل؛ وليس يقال فيها: رداءة الأصل وانبهام الخط وانعدام المصادر واختلاف النظر. فهي أغلاط بل (تخليطات) في فهرس الإعلام لذلك الكتاب، ومثل هذه الفهارس التي قيل فيها إنها نصف العلم، إن لم يؤخذ في وضعها بالدقة، كانت شيئاً أشبه بالترف الذي يقوم على التقليد الظاهر، أو التغرير الذي يلجأ إليه بعض المتجرين التماساً للعائدة المادية ليس غير، لا ضرورة علمية توحي بها روح العلم ومناهج البحث.

١ - أول هذه المواضع يتعلق بالثوري، وقد جاء (الثوري) في عيون الأخبار مشتركاً بين اثنين، يختلف ما بينهما اختلافاً كبيراً، حتى ما يكادان يلتقيان إلا في هذه النسبة: أحدهما أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري، المحدث العظيم، والورع المعتصم بدينه وورعه عن مزالق الهوى، والمحتمل في ذلك أذى التواري ومحنة التوقي ومضاضة العيش حتى لا يلي للسلطان عملاً، ولا ينفذ إليه الشيطان من باب. وأما الثاني، فهو أبو عبد الرحمن أحد شخصيات الجاحظ الطريفة في كتاب (البخلاء)، ممن اتخذهم أبو عثمان مادة لتصويره وسخريته من طبقة (البورجوازي) في البصرة وبغداد. وحسبنا هذا لنعلم أي صورتين متناقضتين جعل منهما ناشرو (عيون الأخبار) شخصاً واحداً، وأرسلوه في فهرس الإعلام باسم أبي عبد الرحمن الثوري (صاحب الجاحظ) بالرغم من كل شيء، وأخضعوا الأمر لقاعدة التغليب. . . يعتسفونه اعتسافاً. . . وهكذا أضاع ناشرونا الأفاضل أبا عبد الله سفيان، كان الله له!

٢ - وأما الموضع الثاني، فالخلط فيه أشنع، والخطأ فيه أفظع، أو هي المعجزة التي تعنو لها المعجزات، وقعت على أيدي سادتنا الأجلاء، إذ نرى الكليم موسى بن عمران عليه السلام قد تقلصت عنه السنون، فقام ينفض غبار القرون، فإذا هو من معاصري أبي الهذيل العلاف وسهل بن هرون! وحقت بذلك كلمة القوم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>