للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الإسلامية والعربية]

صفحة موجزة من التاريخ

للأستاذ علي الطنطاوي

لما أراد الله أن يتم على العالمين نعمته، ويختم فيهم رسالته، وينزل عليهم (الكتاب) الذي ما فرط فيه من شيء، الجامع لكل ما يسعدهم في أولاهم وأخراهم، الخالد الذي تعهد عز وجل بحفظه وكفل حمايته، اختار الله لرسالته محمداً رجلاً من العرب لا من الروم ولا من الفرس، فأنزل عليه وحيه، واختصه بفضله وهو أعلم حيث يضع رسالته، وبعثه في (مكة) أم القرى، لم يبعثه في (روما) أم المدائن، ولا في (قصبة فارس) ذات الإيوان، وأمره أن يبدأ بقومه من قريش فيدعوهم، وبعشيرته الأقربين من هاشم فينذرهم، وأنزل عليه القرآن كتاباً عربياً لم ينزل بلغة روم ولا يونان، منة امتنها الله على العرب، ونعمة أفردهم بها. . . وكان العرب - على كريم خلالهم، وجميل سجاياهم، وأنهم لم تفسدهم الحضارة التي أفسدت غيرهم من الأمم - في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وتنازع واختلاف، ذوي عصبية جاهلية يقاتل الرجل منهم أخاه على بكرة، ويزاحمه على قطرة، إن دعوا فإلى جامعة القبيلة ورابطة العشيرة، وإن نادوا فبيا لَتغلب ويا لَبكر ويا لَعبس ويا لَذبيان، ما نادوا قط: يا لَلعرب! فدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يحييهم: إلى طرح أصنامهم وآلهتهم، وعبادة الله إلهاً واحداً لا إله إلا هو، وإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإيتاء الزكاة التي تصلح حال الأمة، وتؤلف بينها، وتحيي فقيرها بما لا يضر بذله غنيها، وصوم رمضان وحج البيت وشهادة المؤتمر الأكبر في عرفات، واستكمال مكارم الأخلاق، وطرح عصبية الجاهلية، واستبدال الخلاف والتنازع بأخوة في الله، ووحدة في الإسلام، فأجاب منهم من كتب الله له الحسنى، وأبى من سبق عليه الشقاء، فصار الناس فريقين: مؤمنين وكافرين، وصار القرآن ينزل بـ (يا أيها الذين آمنوا) بعد أن كان ينزل بـ (يا أيها الناس)، ولم يبق إلا نسب الإسلام نسب، وبطلت من دونه الأنساب، فغدا النبي صلى الله عليه وسلم يصلى تالياً شتم عمه الأدنى أبي لهب الهاشمي القرشي (تبت يدا أبي لهب وتب) ويقول عن سلمان الفارسي الأعجمي: سلمان منا أهل البيت. وتطوي بنت أبي سفيان رضي الله عنها الوسادة عن أبيها وتقول إنما أنت رجس، وقد كان (رحمه الله) يومئذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>