للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفروق السيكلوجية بين الأفراد]

للأستاذ عبد العزيز عبد المجيد

(تابع)

كان - معلم البيان - بيئيَّ المذهب فكان يعتقد أن الفروق السيكلوجية بين الأفراد - وبخاصة العقلية والخلقية منها - هي من آثار البيئة. وكان يرى أن التربة تمحو هذه الفروق أو تقلل من أهميتها. وقد بني رأيه هذا على تجاربه في إعداد خطباء الجماهير. وهو يميل إلى أن التمرين قد يعوض على الفرد ما قد حرمته الوراثة. وهو يقول في كتابه (معاهد الخطابة) يأتي:

(على الوالد أن يفكر منذ ولادة طفله في أفضل مهنة يريد إعداده لها. لأنه بتفكيره هذا يكون قد وضع نصب عينيه الغاية التي يريد تنشئته لها، فينمو بذلك نشاطه، وتشحذ جهوده في تقويمه وتسويته من طليعة حياته. وإنه لزعم واهٍ أن يقال: إن قليلاً من الأفراد قد وهبوا الذكاء والقدرة على فهم ما يلقى إليهم، وإن الجمهور من الأفراد يَضيع جهدُه ووقته سدى بسبب قلة الذكاء وبطء الإدراك. فالحقيقة تناقض هذا الزعم. لأننا نجد السواد الأعظم من الأفراد قابلاً للإدراك سريع التعلم، ولأن سرعة التعلم ميزة من ميزات الإنسان. ونحن البشر خُصِصْنا بالنشاط والفهم الحكيم، لأن عقلنا قد نزل من السماء وقل من الأفراد من يولد غبياً أو غير قابل للتعليم، كما قل من الأفراد من يولد ممسوخ الخلق مشوه الشكل. ويؤيد رأيي هذا أنني أرى بذور الذكاء كامنة في نفوس الكثير من تلاميذي، وقد تموت هذه البذور بمرور الزمن. ومعنى ذلك أن ظهور الذكاء وتفتحه رهن بالعناية والتمرين لا بوجود المقدرة الطبيعية فقط. ولعلك تعترض فتقول إن تفوق فرد على آخر إنما هو لما امتاز به الأول من مقدرة طبيعية. وإنني أسلم ذلك، ولكن هذا التفوق لا يُعترف به إلا إذا كانت المقدرة الطبيعية عملية محسوسة منتجة، كما أنك تسلم معي أن من جَدَّ وجد. فعلى من اقتنع بصواب رأيي هذا أن يسارع بمجرد أن يصبح أباً، فيفكر في مستقبل ابنه، وماذا سيكون، فيعمل لذلك المستقبل بحرص وعناية ويقظة).

ونحن وإن سلمنا بأن كوينتليان من أنصار مذهب البيئة لا يسعنا إلا أن نثبت له أيضاً أنه يعترف بوجود الفروق السيكلوجية الموروثة بين الأفراد. فهو إذاً يقر بالفروق السيكلوجية

<<  <  ج:
ص:  >  >>