للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الحمص وغزل البنات؟ مالهم الرجال الكثيرون. . . مالهم؟

- فأنت مصر على أن تهتك نفسي؟

- مهتوكة يا آنستي نفسك وكل نفس ما دامت الأنفس في الأجسام!

- إذن، فليست الأجسام حجبا كماً قلت مرات؟

- إنها حجب، وليست حجباً، كالنور يبصر فيه البلبل ويمشي فيه الخفاش. . .

- أو كالظلمة تبصر فيها البومة ويعمى فيها الطاووس. . . فهل أنت طاووس أو أنت بومة؟

- ولم لا أكون البلبل وأنت الخفاش؟

- لم أسمعك يوماً تصدح. . .

- لأنك تسهرين الليل وتنامين النهار. . . عيناك لهما الظلام ونفسك اطمأنت للسواد!

- قسمتي!

- ولماذا ترضين هذه القسمة وهي مما لم يكتبه الله على الناس فما كتب على المبصرين العمى، ولكنهم هم الذين يضعون أصابعهم في أعينهم كمن يخشى أن يرى، وكمن يجب أن تزل قدمه ليسقط فينهار! افتحي عينيك، وانظري، وابصري، وافهمي، والله لا يتعاطى من عبيده أجراً على ما يعلمهم، ولا هو يتقاضاهم رسوم الألعاب.

- وماذا تريد مني أن افعل؟

- ترقبي حركاتك، وترقبي دوافعها في نفسك، ثم ترقبي حركات الناس، تعرفي دوافعها في أنفسهم.

- وهل كل الناس يتشابهون؟

- من غير شك، هم يتشابهون في مقومات الإنسانية وأصولها كما تتشابه الأسود في مقومات (الأسدية) وكما تتشابه الأبقار في أصول (البقرية). . . وكل ما بين أفراد الناس من خلاف، فإنما يتناول الفضول والزوائد ولا يتعداها، فالأمير إذا مات وحيده حزن وبكى ومسح دموعه في منديل، والخفير إذا مات وحيده حزن وبكى ولكنه يمسح دموعه في ذيل ثوبه، وكل من المنديل وذيل الثوب، لا صلة له بالحزن ولا البكاء. . . أنت تضحكين فتكتمين صوتك تحشما، وأنا أضحك فأفزع الناس بقهقهة كالرعد ولكننا مع هذا نتساوى في

<<  <  ج:
ص:  >  >>